التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
٦١
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ
٦٢
-النحل

مختصر تفسير ابن كثير

يخبر تعالى عن حلمه بخلقه مع ظلمهم، وأنه لو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهر الأرض من دابة، أي لأهلك دواب الأرض ومعهم بنو آدم، ولكن الرب جل جلاله يحلم ويستر، وينظر إلى أجل مسمى أي لا يعاجلهم بالعقوبة إذ لو فعل ذلك بهم لما أبقى أحداً. وفي الحديث: "إن الله لا يؤخر شيئاً إذا جاء أجله، وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقها الله العبد فيدعون له من بعده، فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة العمر" . وقوله: { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ } أي من البنات ومن الشركاء الذين هم عبيده وهم يأنفون أن يكون عند أحدهم شريك له في ماله، وقوله: { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } إنكار عليهم في دعواهم مع ذلك أن لهم الحسنى في الدنيا، كقوله: { { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [فصلت: 50]، وقوله: { { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } [مريم: 77] فجمع هؤلاء بين عمل السوء، وتمني الباطل بأن يجازوا على ذلك حسناً وهذا مستحيل، يعملون السيئات ويجزون الحسنات؟ أيجتنى من الشوك العنب؟ ولهذا قال تعالى رداً عليهم في تمنيهم ذلك: { لاَ جَرَمَ } أي حقاً لا بد منه، { أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ } أي يوم القيامة، { وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ }، قال مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم: منسيون فيها مضيعون، وهذا كقوله تعالى: { { فَٱلْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا } [الأعراف: 51] وعن قتادة أيضاً { مُّفْرَطُونَ }: أي معجلون إلى النار من الفرط وهو السابق إلى الورد، ولا منافاة لأنهم يعجل بهم يوم القيامة إلى النار وينسون فيها أي يخلدون.