التفاسير

< >
عرض

وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً
٢٣
وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً
٢٤
-الإسراء

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى آمراً بعبادته وحده لا شريك له، فإن القضاء هٰهنا بمعنى الأمر. قال مجاهد { وَقَضَىٰ } يعنى وصّى، ولهذا قرن بعبادته بر الوالدين فقال: { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي وأمر بالوالدين إحساناً، كقوله في الآية الأخرى: { { أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } [لقمان: 14]. وقوله: { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } أي لا تسمعهما قولاً سيئاً حتى ولا التأفف الذي هو أدنى مراتب القول السيء، { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، كما قال عطاء { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } أي لا تنفض يدك عليهما، ولما نهاه عن القول القبيح والفعل القبيح، أمره بالقول الحسن والفعل الحسن. فقال: { وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } أي ليناً طيباً حسناً بتأدب وتوقير وتعظيم. { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } أي تواضع لهما بفعلك، { وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } أي في كبرهما وعند وفاتهما. وقد جاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة، (منها) الحديث المروي من طرق عن أنس وغيره "أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر ثم قال: آمين آمين آمين، قيل: يا رسول الله علام أمنت؟ قال: أتاني جبريل. فقال: يا محمد رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليك، قل آمين، فقلت آمين، ثم قال رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم خرج فلم يغفر له، قل آمين فقلت آمين، ثم قال: رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. قل آمين، فقلت آمين" . (حديث آخر): روى الإمام أحمد عن أبي مالك القشيري قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار من بعد ذلك فأبعده الله وأسحقه" . (حديث آخر): روى الإمام أحمد. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف: رجل أدرك أحد أبويه أو كلاهما عنده الكبر ولم يدخل الجنة" . (حديث آخر): عن مالك بن ربيعة الساعدي قال: "بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله هل بقي علي من بر أبويّ شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قال: نعم، خصال أربع: الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما. وصلة الرحم التي لا رحم لك إلاّ من قبلهما، فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما" . (حديث آخر): عن معاوية بن جاهمة السلمي أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله أردت الغزو. وجئتك أستشيرك. فقال: فهل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة عند رجليها" . (حديث آخر): قال الحافظ البزار في "مسنده" عن سليمان بن بريدة، عن أبيه "أن رجلاً كان في الطواف حاملاً أمه يطوف بها. فسأل صلى الله عليه وسلم هل أديت حقها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة" .