التفاسير

< >
عرض

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً
٦
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً
٧
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً
٨
-الكهف

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى مسلياً لرسوله صلوات الله وسلامه عليه في حزنه على المشركين لتركهم الإيمان وبعدهم عنه، كما قال تعالى: { { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر: 8]، وقال: { { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } [النمل: 70]، وقال: { { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 3]، باخع: أي مهلك نفسك بحزنك عليهم، ولهذا قال: { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } يعني القرآن، { أَسَفاً } يقول: لا تهلك نفسك أسفاً، قال قتادة: قاتلٌ نفسك غضباً وحزناً عليهم. وقال مجاهد: جزعاً، والمعنى متقارب أي: لا تأسف عليهم بل أبلغهم رسالة الله فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، ثم أخبر تعالى أنه جل الدنيا داراً فانية مزينة بزينة زائلة، وإنما جعلها دار اختبار لا دار قرار، فقال: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً }، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" . ثم أخبر تعالى بزوالها وفنائها وذهابها، وخرابها، فقال تعالى: { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } أي وإنا لمصّيروها بعد الزينة إلى الخراب والدمار، فنجعل كل شيء عليها هالكاً { صَعِيداً جُرُزاً } لا ينبت ولا ينتفع به، كما قال ابن عباس: يهلك كل شيء عليها ويبيد، وقال مجاهد { صَعِيداً جُرُزاً } بلقعاً. وقال قتادة: الصعيد الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات. وقال ابن زيد: الصعيد الأرض التي ليس فيها شيء، ألا ترى إلى قوله تعالى: { { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } [السجدة: 27]؟.