التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً
٥٤
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً
٥٥
-مريم

مختصر تفسير ابن كثير

هذا ثناء من الله تعالى على إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، وهو والد عرب الحجاز كلهم بأنه كان صادق الوعد. قال ابن جريج لم يعد ربه عدة إلاّ أنجزها، يعني ما التزم عبادة قط بنذر إلاّ قام بها، ووفاها حقها. وقال ابن جرير، عن سهل بن عقيل، إن (إسماعيل) النبي عليه السلام وعد رجلاً مكاناً أن يأتيه فيه، فجاء ونسي الرجل فظل به إسماعيل، وبات حتى جاء الرجل من الغد، فقال: ما برحت من هٰهنا؟ قال: لا، قال: إني نسيت، قال: لم أكن لأبرح حتى تأتيني، فلذلك { كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ }، وقد روى أبو داود في "سننه"، عن عبد الله بن أبي الحمساء قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث فبقيت له عليَّ بقية، فوعدته أن آتية بها في مكانه ذلك، قال: فنسيت يومي والغد، فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه ذلك فقال لي: يا فتى لقد شققت عليّ أنا هٰهنا منذ ثلاث أنتظرك" ، وقال بعضهم: إنما قيل له { صَادِقَ ٱلْوَعْدِ } لأنه قال لأبيه { { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } [الصافات: 102] فصدق في ذلك، فصدقُ الوعد من الصفات الحميدة، كما أن خلفه من الصفات الذميمة، قال الله تعالى: { { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [الصف: 2]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" ، ولما كانت هذه صفات المنافقين، كان التلبس بضدها من صفات المؤمنين، ولهذا أثنى الله على عبده ورسوله إسماعيل بصدق الوعد، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق الوعد أيضاً، لا يعد أحداً شيئاً إلاّ وفى له به، وقد أثنى على أبي العاص بن الربيع زوج ابنته زينب فقال: "حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي" .
وقوله تعالى: { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } في هذا دلالة على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق لأنه إنما وصف بالنبوة فقط، وإسماعيل وصف بالنبوة والرسالة، وقد ثبت في "صحيح مسلم" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل" وذكر تمام الحديث، فدل على صحة ما قلناه، وقوله: { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً }، وهذا أيضاً من الثناء الجميل والصفة الحميدة والخلة السديدة، حيث كان صابراً على طاعة ربه عزّ وجلّ، آمراً بها لأهله، كما قال تعالى لرسوله: { { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [طه: 132] الآية. وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء" . وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات" .