التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ
٩٩
لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
١٠٠
-المؤمنون

مختصر تفسير ابن كثير

يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت من الكافرين، وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا ليصلح ما كان أفسده في مدة حياته، ولهذا قال: { رَبِّ ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } كقوله: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } [السجدة: 12]، وقال تعالى: { { وَتَرَى ٱلظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ } [الشورى: 44]، وقال تعالى: { { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } [فاطر: 37] الآية، فذكر تعالى أنهم يسألون الرجعة فلا يجابون عند الاحتضار، ويوم النشور ووقت العرض على الجبار، وهم في غمرات عذاب الجحيم، وقوله هٰهنا: { كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا } كلا حرف ردع وزجر أي لا نجيبه إلى ما طلب ولا نقبل منه. وقوله تعالى: { كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا } قال ابن أسلم: أي لا بد أن يقولها لا محالة كل محتضر ظالم، ويحتمل أن يكون ذلك علة لقوله { كَلاَّ } أي سؤاله الرجوع ليعمل صالحاً هو كلام منه وقول لا عمل معه، ولو رد لما عمل صالحاً ولكان يكذب في مقالته هذه، كما قال تعالى: { { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [الأنعام: 28]. قال قتادة: والله ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة، ولا بأن يجمع الدنيا ويقضي الشهوات، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله عزَّ وجلَّ، فرحم الله امرأ عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب إلى النار. وقال عمر بن عبد الله مولى غفرة: إذا قال الكافر رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً يقول الله تعالى: كلا كذبت، وكان العلاء بن زياد يقول: لينزلن أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت فاستقال ربه فأقاله فليعمل بطاعة الله تعالى. وقال قتادة: والله ما تمنى إلا أن يرجع فيعمل بطاعة الله، فانظروا أمنية الكافر المفرط، فاعملوا بها ولا قوة إلا بالله. وعن أبي هريرة قال: إذا وضع - يعني الكافر - في قبره فيرى مقعده من النار، قال: فيقول رب ارجعون أتوب وأعمل صالحاً، قال: فيقال: قد عمرت ما كنت معمراً، قال: فيضيّق عليه قبره ويلتئم فهو كالمنهوش ينام ويفزع تهوي إليه هوام الأرض وحيَّاتها وعقاربها. وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ويل لأهل المعاصي من أهل القبور، تدخل عليهم في قبورهم حيات سود، أو دُهْم. حية عند رأسه، وحية عند رجليه، يقرصانه حتى يتلقيا في وسطه، فذلك العذاب في البرزخ الذي قال الله تعالى: { وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }. قال مجاهد: البرزخ الحاجز ما بين الدنيا والآخرة. وقال محمد بن كعب: البرزخ ما بين الدنيا والآخرة ليسوا مع أهل الدنيا يأكلون ويشربون ولا مع أهل الآخرة يجازون بأعمالهم، وقال أبو صخر: البرزخ المقابر لا هم في الدنيا ولا هم في الآخرة فهم مقيمون إلى يوم يبعثون، وفي قوله تعالى: { وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ } تهديد لهؤلاء المحتضرين من الظلمة بعذاب البرزخ، كما قال تعالى: { { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ } [الجاثية: 10]، وقال تعالى: { { وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } [إبراهيم: 17]، وقوله تعالى: { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي يستمر به العذاب إلى يوم البعث كما جاء في الحديث: "فلا يزال معذباً فيها" أي في الأرض.