التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ
١٠١
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٠٢
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ
١٠٣
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ
١٠٤
-المؤمنون

مختصر تفسير ابن كثير

يخبر تعالى أنه إذا نفخ في الصور نفخة النشور، وقام الناس من القبور { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } أي لا تنفع الإنسان يومئذٍ قرابة ولا يرثي والد لولده ولا يلوي عليه، قال الله تعالى: { { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً * يُبَصَّرُونَهُمْ } [المعارج: 10-11] أي لا يسأل القريب قريبه وهو يبصره، ولو كان عليه من الأوزار ما قد أثقل ظهره، ولو كان أعز الناس عليه في الدنيا ما التفت إليه ولا حمل عنه وزن جناح بعوضة، قال الله تعالى: { { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } [عبس: 34-36] الآية. وقال ابن مسعود: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد: ألا من كان له مظلمة فليجيء فليأخذ حقه، قال: فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيراً، ومصداق ذلك في كتاب الله، قال الله تعالى: { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ }. وروى الإمام أحمد عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاطمة بضعة مني يغيظني ما يغيظها وينشطني ما ينشطها، وإن الأنساب تنقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وصهري" ؛ وهذا الحديث له أصل في "الصحيحين": "فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها ويؤذيني ما آذاها" . وقد ذكرنا في مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من طرق متعددة عنه رضي الله عنه أنه لما تزوج (أم كلثوم) بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: أما والله ما بي إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل سبب ونسب فإنه منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي" ، وروى الحافظ ابن عساكر عن ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري" .
وقوله تعالى: { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي من رجحت حسناته على سيئاته ولو بواحدة قال ابن عباس { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي الذين فازوا فنجوا من النار وأدخلوا الجنة { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } أي ثقلت سيئاته على حسناته { فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } أي خابوا وهلكوا وباءوا بالصفقة الخاسرة عن أنس بن مالك يرفعه قال: إن لله ملكاً موكلاً بالميزان فيؤتى بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان، فإن ثقل ميزانه نادى ملك بصوت يسمعه الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن خفّ ميزانه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعدها بعدها أبداً. قال تعالى: { فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } أي ماكثون فيها دائمون مقيمون فلا يظعنون { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ }، كما قال تعالى: { { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } [إبراهيم: 50]، وقال تعالى: { { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ } [الأنبياء: 39] الآية. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن جهنم لما سيق لها أهلها، تلقَّاهم لهبها ثم تلفحهم لفحة فلم يق لهم لحم إلا سقط على العرقوب" . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال، "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ }، قال: تلفحهم لفحة تسيل لحومهم على أعقابهم" . وقوله تعالى: { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } قال ابن عباس: يعني عابسون، وقال ابن مسعود { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } قال: ألم تر إلى الرأس المشيط الذي قد بدا أسنانه وقلصت شفتاه، وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "{ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } قال تشويه النار، فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه. وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته" .