التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً
٤
وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً
٥
قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً
٦
-الفرقان

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى مخبراً عن سخافة عقول الجهلة من الكفار في قولهم عن القرآن { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ } أي كذب { ٱفْتَرَاهُ } يعنون النبي صلى الله عليه وسلم { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ } أي واستعان على جمعه بقوم آخرين، فقال الله تعالى: { فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً } أي فقد افتروا هم قولاً باطلاً وهم يعلمون أنه باطل، ويعرفون كذب أنفسهم فيما زعموه، { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا } يعنون كتب الأوائل أي استنسخها { فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ } أي تقرأ عليه { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي أول النهار وآخره، وهذا الكلام لسخافته وكذبه كل أحد يعلم بطلانه، فإنه قد علم بالتواتر أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن يعاني شيئاً من الكتابة، لا في أول عمره ولا في آخره، وقد نشأ بين أظهرهم من أول مولده إلى أن بعثه الله نحواً من أربعين سنة، وهم يعرفون مدخله، ومخرجه، وصدقه ونزاهته وبره وأمانته، حتى إنهم كانوا يسمونه في صغره، وإلى أن بعث: (الأمين) لما يعلمون من صدقه وبره، فلما أكرمه الله بما أكرمه به، نصبوا له العداوة، ورموه بهذه الأقوال التي يعلم كل عاقل براءته منها، وحاروا فيما يقذفونه به، فتارة من إفكهم يقولون ساحر، وتارة يقولون شاعر، وتارة يقولون مجنون، وتارة يقولون كذاب، وقال الله تعالى: { { ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً } [الإسراء: 48]. وقال تعالى في جواب ما عاندوا هٰهنا وافتروا: { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } الآية: أي أنزل القرآن المشتمل على أخبار الأولين والآخرين { ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ }، أي الله الذي يعلم غيب السماوات والأرض، ويعلم السرائر كعلمه بالظواهر، وقوله تعالى: { إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }، دعاء لهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار لهم بأن رحمته واسعة وأن حمله عظيم، مع أن من تاب إليه تاب عليه، فهؤلاء مع كذبهم وافترائهم وفجورهم وبهتانهم، يدعوهم إلى التوبة والإقلاع عما هم فيه إلى الإسلام والهدى، كما قال تعالى: { { أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [المائدة: 74]، وقال تعالى: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } [البروج: 10]. قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والرحمة.