التفاسير

< >
عرض

وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً
٥٥
وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً
٥٦
قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً
٥٧
وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً
٥٨
ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً
٥٩
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً
٦٠
-الفرقان

مختصر تفسير ابن كثير

يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير الله من الأصنام، التي لا تملك لهم ضراً ولا نفعاً بلا دليل قادهم إلى ذلك ولا حجة أدتهم إليه بل بمجرد الآراء والأهواء، فهم يوالونهم ويقاتلون في سبيلهم ويعادون الله ورسوله والمؤمنين فيهم، ولهذا قال تعالى: { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } أي عوناً في سبيل الشيطان على حزب الله، وحزب الله هم الغالبون، قال مجاهد { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } قال: يظاهر الشيطان على معصية الله ويعينه، وقال سعيد بن جبير: عوناً للشيطان على ربه بالعداوة والشرك، وقال زيد بن أسلم: موالياً، ثم قال تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } أي بشيراً للمؤمنين ونذيراً للكافرين، مبشراً بالجنة لمن أطاع الله، ونذيراً بين يدي عذاب شديد لمن خالف أمر الله، { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي على هذا البلاغ وهذا الإنذار من أجرة أطلبها من أموالكم، وإنما أفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى، { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } أي طريقاً ومسلكاً ومنهجاً يقتدي فيها بما جئت به، ثم قال تعالى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ } أي في أمورك كلها، كن متوكلاً على الله الحي الذي لا يموت أبداً، الدائم الباقي السرمدي، الأبدي الحي القيوم، رب كل شيء ومليكه، اجعله ذخرك وملجأك، فإنه كافيك وناصرك ومؤيدك ومظهرك، كما قال تعالى: { { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [المائدة: 67].
وقوله تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } أي أقرن بين حمده وتسبيحه، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"سبحانك اللهم ربنا وبحمدك" ، أي أخلص له العبادة والتوكل، كما قال تعالى: { { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } [المزمل: 9]، وقال تعالى: { { فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [هود: 123]، وقال تعالى: { { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } [الملك: 29] وقوله تعالى: { وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } أي بعلمه التام لا يخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة، وقوله تعالى: { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } الآية، أي هو خالق كل شيء وربه ومليكه، الذي خلق بقدرته وسلطانه السماوات السبع في ارتفاعها واتساعها، والأرضين السبع في سفولها وكثافتها { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ }، يدبر الأمر ويقضي الحق وهو خير الفاصلين، وقوله: { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } أي استعلم عنه من هو خبير به عالم به، فاتبعه واقتد به، وقد علم أنه لا أحد أعلم بالله ولا أخبر به، من عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه سيد ولد آدم على الإطلاق، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلاّ وحي يوحى، فما قاله فهو الحق، وما أخبره به فهو الصدق، ولهذا قال تعالى: { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً }، قال مجاهد: ما أخبرتك من شيء فهو كما أخبرتك، وقال شمر بن عطية: هذا القرآن خبير به، ثم قال تعالى منكراً على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ }؟ أي لا نعرف الرحمٰن، وكانوا ينكرون أن يسمى الله باسمه الرحمٰن، كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين قال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب: "اكتب بسم الله الرحمٰن الرحيم" ، فقالوا: لا نعرف الرحمٰن ولا الرحيم، ولكن اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللهم؛ ولهذا أنزل الله تعالى: { { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء: 110] أي هو الله وهو الرحمٰن، وقال في هذه الآية: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ } أي لا نعرفه ولا نقرُّ به، { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا }؟ أي لمجرد قولك، { وَزَادَهُمْ نُفُوراً } فأما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الذي هو الرحمٰن الرحيم ويفردونه بالإلهية ويسجدون له.