التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥٠
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٥١
قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٥٢
-العنكبوت

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى مخبراً عن المشركين في تعنتهم، وطلبهم آيات يعنون ترشدهم إلى أن محمداً رسول الله، كما أتى صالح بناقته، قال الله تعالى: { قُلْ } يا محمد { إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ } أي إنما أمر ذلك إلى الله، فإنه لو علم أنكم تهتدون لأجابكم إلى سؤالكم، لأن هذا سهل عليه يسير لديه، ولكنه يعلم منكم أنكم إنما قصدتم التعنت والامتحان، فلا يجيبكم إلى ذلك، كما قال تعالى: { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا } [الإسراء: 59]، وقوله: { وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي إنما بعثت نذيراً لكم فعلي أن أبلغكم رسالة الله تعالى، و { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي } [الأعراف: 178]، ثم قال تعالى مبيناً كثرة جهلهم وسخافة عقلهم، حيث طلبوا آيات تدلهم على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم، وقد جاءهم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الذي هو أعظم من كل معجزة، إذ عجزت الفصحاء والبلغاء عن معارضته، بل عن معارضة سورة منه، فقال تعالى: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } أي أو لم يكفهم آية أنا أنزلنا عليك الكتاب العظيم الذي فيه خبر ما قبلهم ونبأ ما بعدهم وحكم ما بينهم، وأنت رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب ولم تخالط أحداً من أهل الكتاب، فجئتهم بأخبار ما في الصحف الأولى ببيان الصواب مما اختلفوا فيه، وبالحق الواضح البين الجلي، كما قال تعالى: { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [الشعراء: 197]، وقال تعالى: { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } [طه: 133] وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء من نبي إلاّ قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه الشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة" . وقد قال تعالى: { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي إن في هذا القرآن { لَرَحْمَةً } أي بياناً للحق وإزاحة للباطل { وَذِكْرَىٰ } بما فيه حلول النقمات ونزول العقاب بالمكذبين والعاصين لقوم يؤمنون، ثم قال تعالى: { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } أي هو أعلم بما تفيضون فيه من التكذيب، ويعلم ما أقول لكم من إخباري عنه بأنه أرسلني، فلو كنت كاذباً عليه لانتقم مني، كما قال تعالى: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ * فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [الحاقة: 44-47]، وإنما أنا صادق عليه فيما أخبرتكم به، ولهذا أيدني بالمعجزات الواضحات والدلائل القاطعات { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي لا تخفى عليه خافية، { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } أي يوم القيامة سيجزيهم على ما فعلوا ويقابلهم على ما صنعوا، في تكذيبهم بالحق واتباعهم الباطل، كذبوا برسل الله مع قيام الأدلة على صدقهم، وآمنوا بالطواغيت والأوثان بلا دليل، فسيجزيهم على ذلك إنه حكيم عليم.