يقول الله تعالى: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } أي فأجابهم ربهم كما قال الشاعر:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى الندا * فلم يستجبه عند ذاك مجيب
عن أم سلمة قالت: يا رسول الله، لا نسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله تعالى: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } إلى آخر الآية. وقالت الأنصار: هي أول ظعينة قدمت علينا، ومعنى الآية أن المؤمنين ذوي الألباب لما سألوا ما سألوا مما تقدم ذكره فاستجاب لهم ربهم، عقب ذلك بفاء التعقيب، كما قال تعالى: { { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186]. وقوله تعالى: { أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } هذا تفسير للإجابة أي قال لهم مخبراً أنه لا يضيع عمل عامل لديه، بل يوفي كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى، وقوله: { بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } أي جميعكم في ثوابي سواء، { فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } أي تركوا دار الشرك وأتوا إلى دار الإيمان، وفارقوا الأحباب والإخوان والخلان والجيران، { وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ } أي ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجأوهم إلى الخروج من بين أظهرهم، ولهذا قال: { وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي } أي إنما كان ذنبهم إلى الناس أنهم آمنوا بالله وحده كما قال تعالى: { { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ } [الممتحنة: 1]، وقال تعالى: { { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } [البروج: 8]، وقوله تعالى: { وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ } وهذا أعلى المقامات أن يقاتل في سبيل الله فيعقر جواده ويعفر وجهه بدمه وترابه، وقد ثبت في الصحيحين أن رجلاً قال: "يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، أيكفر الله عني خطاياي؟ قال: نعم، ثم قال: كيف قلت؟ فأعاد عليه ما قال، فقال: نعم، إلا الدين قاله لي جبريل آنفاً" ، ولهذا قال تعالى: { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي تجري في خلالها الأنهار من أنواع المشارب من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن، وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقوله: { ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ } أضافه إليه ونسبه إليه ليدل على أنه عظيم، لأن العظيم الكريم لا يعطي إلا جزيلاً كثيراً كما قال الشاعر:
إن يعذب يكن غراماً وإن يعــ طِ جزيلاً فإنه لا يبالي
وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } أي عنده حسن الجزاء لمن عمل صالحاً.