التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً
٣٩
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً
٤٠
-الأحزاب

مختصر تفسير ابن كثير

يمدح تبارك وتعالى: { ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ } أي إلى خلقه ويؤدونها بأماناتها { وَيَخْشَوْنَهُ } أي يخافونه ولا يخافون أحداً سواه، فلا تمنعهم سطوة أحد عن إبلاغ رسالات الله تعالى { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } أي وكفى الله ناصراً ومعيناً، وسيد الناس في هذا المقام، بل وفي كل مقام (محمد) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قام بأداء الرسالة وإبلاغها إلى أهل المشارق والمغارب، ثم ورث مقام البلاغ عنه أمته من بعده، فكان أعلى من قام بها بعده أصحابه رضي الله عنهم، بلغوا عنه كما أمرهم به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، في ليله ونهاره، وحضره وسفره، وسره وعلانيته، فرضي الله عنهم وأرضاهم، ثم ورثه كل خلف عن سلفهم إلى زماننا هذا، فبنورهم يقتدي المهتدون، وعلى منهجهم يسلك الموفقون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمر الله فيه مقال ثم لا يقوله، فيقول الله: ما يمنعك أن تقول منه، فيقول رب خشية الناس فيقول فأنا أحق أن يخشى" . وقوله تعالى: { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } نهى أن يقال بعد هذا (زيد بن محمد) أي لم يكن أباه وإن كان قد تبناه، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعش له ولد ذكر حتى بلغ الحلم، فإنه صلى الله عليه وسلم ولد له القاسم والطيب والطاهر من خديجة رضي الله عنها فماتوا صغاراً، وولد له صلى الله عليه وسلم إبراهيم من مارية القبطية، فمات أيضاً رضيعاً، وكان له صلى الله عليه وسلم من خديجة أربع بنات: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين، فمات في حياته صلى الله عليه وسلم ثلاث، وتأخرت فاطمة رضي الله عنها حتى أصيبت به صلى الله عليه وسلم ثم ماتت بعده لستة أشهر، وقوله تعالى: { وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بالطريق الأولى والأحرى، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة.
وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى الإمام أحمد عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"مثلي في النبيين كمثل رجل بنى داراً فأحسنها وأكملها وترك فيها موضع لبنة لم يضعها فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة؟ فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة" . حديث آخر: روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي قال فشق ذلك على الناس فقال: ولكن المبشرات قالوا: يا رسول الله وما المبشرات؟ قال: رؤيا الرجل المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة" ، حديث آخر: روى أبو داود الطيالسي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى داراً فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فكان من دخلها فنظر إليها قال: ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة، فأنا موضع اللبنة ختم بي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام" . حديث آخر: قال الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتاً فأكملها وأحسنها وأجملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان ويقولون ألا وضعت هٰهنا لبنة فيتم بنيانك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أنا اللبنة" . حديث آخر: قال الإمام أحمد عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته" حديث آخر: عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله تعالى به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي" . فمن رحمة الله تعالى بالعباد إرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم، ثم من تشريفه لهم ختم الأنبياء والمرسلين به، وإكمال الدين الحنيف له، وقد أخبر تبارك وتعالى في كتابه العزيز أنه لا نبي بعده ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال، ضال مضل.