التفاسير

< >
عرض

فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ
١٦١
مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ
١٦٢
إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ
١٦٣
وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ
١٦٤
وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ
١٦٥
وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ
١٦٦
وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ
١٦٧
لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ
١٦٨
لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ
١٦٩
فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
١٧٠
-الصافات

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى مخاطباً المشركين: { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } أي إنما ينقاد لمقالتكم وما أنتم عليه من الضلالة والعبادة الباطلة، من هو أضل منكم ممن ذرىء للنار، { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } [الأعراف: 179] فهذا الضرب من الناس هو الذي ينقاد لدين الشرك والكفر والضلالة، كما قال تبارك وتعالى: { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } [الذاريات: 8-9] أي إنما يضل به من هو مأفوك ومبطل، ثم قال تبارك وتعالى منزهاً للملائكة مما نسبوا إليهم من الكفر بهم والكذب عليهم أنهم بنات الله: { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } أي له موضع مخصوص في السماوات ومقام العبادات لا يتجاوزه ولا يتعداه، قال الضحّاك. كان مسروق يروي "عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من السماء الدنيا موضع إلا عليه ملك ساجد أو قائم فذلك قوله تعالى: { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ }" . وقال الاعمش، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "إن في السماوات لسماء ما فيها موضع شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماه، ثم قرأ عبد الله رضي الله عنه: { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ }، قال ابن جريج: كانوا لا يصفون في الصلاة حتى نزلت: { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } فصفوا، وقال أبو نضرة: كان عمر رضي الله عنه إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه، ثم قال: أقيموا صفوفكم، استووا قياماً، يريد الله تعالى بكم هدي الملائكة، ثم يقول: { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ }، تأخر يا فلان، تقدم يا فلان، ثم يتقدم فيكبر"
. وفي "صحيح مسلم" عن حذيفة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجداً، وتربتها طهوراً" الحديث، { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } أي نصطف فنسبح الرب ونمجده ونقدسه وننزهه عن النقائص، فنحن عبيد له فقراء إليه خاضعون لديه، وقال ابن عباس ومجاهد: { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } الملائكة، { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } الملائكة { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } الملائكة تسبح الله عز وجل وقال قتادة: { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } يعني المصلون يثبتون بمكانهم من العبادة. وقوله جل وعلا: { وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ }، أي قد كانوا يتمنون قبل أن تأتيهم يا محمد لو كان عندهم من يذكرهم بأمر الله، وما كان من أمر القرون الأولى ويأتيهم بكتاب الله كما قال جلّ جلاله: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } [فاطر: 42]، وقال تعالى: { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } [الأنعام: 156] ولهذا قال تعالى هٰهنا: { فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } وعيد أكيد وتهديد شديد، على كفرهم بربهم عزّ وجلّ وتكذيبهم رسوله صلى الله عليه وسلم.