التفاسير

< >
عرض

خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ
٥
خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ
٦
-الزمر

مختصر تفسير ابن كثير

يخبر تعالى أنه الخالق لما في السماوات والأرض، وما بين ذلك من الأشياء، وبأنه مالك الملك المتصرف فيه يقلّب ليله ونهاره { يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ } أي سخرهما يجريان متعاقبين، لا يفترقان، كل منهما يطلب الآخر طلباً حثيثاً، كقوله تعالى: { يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً } [الأعراف: 54]، وقوله عزّ وجلّ: { وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى } أي إلى مدة معلومة عند الله تعالى، ثم ينقضي يوم القيامة { أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ } أي مع عزته وعظمته وكبريائه، هو غفار لمن عصاه ثم تاب وأناب إليه، وقوله: جلت عظمته: { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } أي خلقكم مع اختلاف أجناسكم وأصنافكم وألسنتكم وألوانكم { مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } وهو آدم عليه الصلاة والسلام { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } وهي حواء عليها السلام كقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } [النساء: 1] وقوله تعالى: { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } أي وخلق لكم من ظهور الأنعام ثمانية أزواج، وهي المذكورة في سورة الأنعام من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، وقوله عزّ وجلّ: { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ } أي قدّركم في بطون أمهاتكم { خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } يكون أحدكم أولاً نطفة، ثم يكون علقة، ثم يكون مضغة، ثم يخلق فيكون لحماً وعظماً وعصباً وعروقاً، وينفخ فيه الروح فيصير خلقاً آخر { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [المؤمنون: 14]، وقوله جلّ وعلا: { فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ } يعني ظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، وظلمة البطن، كذا قال ابن عباس ومجاهد. وقوله جلّ جلاله: { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } أي هذا الذي خلقكم وخلق آباءكم، هو الرب له الملك والتصرف في جميع ذلك { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ }؟ أي فكيف تعبدون معه غيره؟ وأين يذهب بعقولكم؟