التفاسير

< >
عرض

ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً
٣٤
-النساء

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى: { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } أي الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أي لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة" رواه البخاري، وكذا منصب القضاء وغير ذلك { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيماً عليها كما قال الله تعالى: { { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } [البقرة: 228] الآية، وقال ابن عباس: { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } يعني أمراء عليهن، أي تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعتُه أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله. وقال الحسن البصري: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو أن زوجها لطمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القصاص" فأنزل الله عزَّ وجلَّ: { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } الآية. فرجعت بغير قصاص، وقد أسنده ابن مردويه عن علي قال: أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من الأنصار بامرأة له، فقالت: يا رسول الله إن زوجها فلان بن فلان الأنصاري وإنه ضربها فأثر في وجهها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له ذلك، فأنزل الله تعالى: { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } أي في الأدب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أردت أمراً وأراد الله غيره" أورد ذلك كله ابن جرير.
وقوله تعالى: { فَٱلصَّالِحَاتُ } أي من النساء { قَانِتَاتٌ }، قال ابن عباس: يعني مطيعات لأزواجهن { حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ } وقال السدي وغيره: أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله، وقوله: { بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } أي المحفوظ من حفظه الله. عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك" ، قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } إلى آخرها، وقال الإمام أحمد عن عبد الرحمٰن بن عوف قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت" . وقوله تعالى: { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } أي النساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهن، والنشوز هو الارتفاع، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له، فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها، وليخوفها عقاب الله في عصيانه، فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإفضال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها" ، وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح" . ورواه مسلم ولفظه: "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" ، ولهذا قال تعالى: { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ }.
وقوله تعالى: { وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ }، قال ابن عباس: الهجر هو أن لا يجامعها، ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره، وكذا قال غير واحد وزاد آخرون في رواية: ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعظها فإن هي قبلت، وإلا هجرها في المضجع ولا يكلمها من غير أن يرد نكاحها وذلك عليها شديد. وقال مجاهد والشعبي: الهجر هو أن لا يضاجعها. وفي السنن والمسند عن (معاوية بن حيدة القشيري) أنه قال:
"يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلا في البيت" . وقوله: { وَٱضْرِبُوهُنَّ } أي إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران، فلكم أن تضربوهن ضرباً غير مبرح، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: "واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف" . وكذا قال ابن عباس وغير واحد: ضرباً غير مبرّح. قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر، قال الفقهاء: هو أن لا يكسر فيها عضواً ولا يؤثر فيها شيناً وقال ابن عباس: يهجرها في المضجع فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضرباً غير مبرح، ولا تكسر لها عظماً فإن أقبلت، وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تضربوا إماء الله" ، فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرت النساء على أزواجهن، فرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشتكين أزواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن ليس أولئك بخياركم" .
وقوله تعالى: { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } أي إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها، مما أباحه الله له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها. وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهُنَّ، وهو منتقم ممن ظلمهُنَّ وبغى عليهن.