يخبر تعالى عن حكمه في خلقه يوم القيامة فقال تعالى: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي آمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة، وهي الخالصة الموافقة للشرع { فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ } وهي الجنة، كما ثبت في الصحيح "أن الله تعالى قال للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء" { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } أي البين الواضح، ثم قال تعالى: { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ }؟ أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً، أما قرئت عليكم آيات الله تعالى، فاستكبرتم عن اتباعها وأعرضتم عن سماعها، وكنتم قوماً مجرمين في أفعالكم، مع ما اشتملت عليه قلوبكم من التكذيب؟ { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا } أي إذا قال لكم المؤمنون ذلك { قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ } أي لا نعرفها { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } أي إن نتوهم وقوعها إلاّ توهماً أي مرجوحاً، ولهذا قال: { وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } أي بمتحققين، قال الله تعالى: { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } أي وظهر لهم عقوبة أعمالهم السيئة { وَحَاقَ بِهِم } أي أحاط بهم { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي من العذاب والنكال، { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ } أي نعاملكم معاملة الناسي لكم في نار جهنم، { كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } أي فلم تعملوا له لأنكم لم تصدقوا به { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }، وقد ثبت في الصحيح "أن الله تعالى يقول لبعض العبيد يوم القيامة: ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: أفظننت أنك ملاقيّ؟ فيقول: لا، فيقول الله تعالى: فاليوم أنساك كما نسيتني" ، قال الله تعالى: { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً } أي إنما جازيناكم هذا الجزاء، لأنكم اتخذتم حجج الله عليكم سخرياً تسخرون وتستهزئون بها، { وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } أي خدعتكم فاطمأننتم إليها فأصبحتم من الخاسرين، ولهذا قال عزّ وجلّ: { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا } أي من النار، { وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } أي لا يطلب منهم العتبى، بل يعذبون بغير حساب ولا عتاب، كما تدخل طائفة من المؤمنين الجنة بغير عذاب ولا حساب. ثم لما ذكر تعالى حكمه في المؤمنين والكافرين قال { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ } أي المالك لهما وما فيهما، ولهذا قال: { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }، ثم قال جلّ وعلا: { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }، قال مجاهد: يعني السلطان، أي هو العظيم الممجد الذي كل شيء خاضع لديه فقير إليه، وقد ورد في الحديث الصحيح: "يقول الله تعالى: العظمة إزاري، الكبرياء ردائي فمن نازعني واحداً منهما أسكنته ناري" ، وقوله تعالى: { وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ } أي الذي لا يغالب ولا يمانع، { ٱلْحَكِيمُ } في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، تعالى وتقدس لا إلٰه إلاّ هو.