يقول تعالى تحقيراً لأمر الدنيا وتهويناً لشأنها { إِنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } أي حاصلها ذلك إلاّ ما كان منها لله عزَّ وجلَّ، ولهذا قال تعالى: { وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ } أي هو غني عنكم لا يطلب منكم شيئاً، وإنما فرض عليكم الصدقات من الأموال، مواساة لإخوانكم الفقراء، ليعود نفع ذلك عليكم، ويرجع ثوابه إليكم، ثم قال جلَّ جلاله: { إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ } أي يحرجكم تبخلوا { وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } قال قتادة: قد علم الله تعالى أن في إخراج الأموال إخراج الأضغان، وصدق قتادة، فإن المال محبوب ولا يصرف إلاّ فيما هو أحب إلى الشخص منه، وقوله تعالى: { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ } أي لا يجيب إلى ذلك، { وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } أي إنما نقص نفسه من الأجر، وإنما يعود وبال ذلك عليه، { وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ } أي عن ما سواه، وكل شيء فقير إليه دائماً، { وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } أي بالذات إليه، فوصفه بالغنى وصف لازم له، ووصف الخلق بالفقر وصف لازم لهم لا ينفكون عنه، وقوله تعالى: { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } أي عن طاعته واتباع شرعه، { يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } أي ولكن يكونون سامعين مطيعين له ولأوامره، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدل بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: ضرب بيده على كتف سلمان الفارسي رضي الله عنه، ثم قال: هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس" .