التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ
٣٠
وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ
٣١
هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ
٣٢
مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ
٣٣
ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ
٣٤
لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
٣٥

مختصر تفسير ابن كثير

يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة هل امتلأت؟ وهي تقول: هل من مزيد؟ أي هل بقي شيء تزيدوني؟ هذا هو الظاهر من سياق الآية، وعليه تدل الأحاديث، روى البخاري عند تفسير هذه الآية، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يلقى في النار وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع قدمه فيها فتقول: قط قط" . وروى الإمام أحمد. عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة قدمه فيها فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط وعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله لها خلقاً آخر فيسكنهم الله تعالى في فضول الجنة" . (حديث آخر): وروى البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين؛ وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلاّ ضعفاء الناس وسقطهم؟ قال الله عزَّ وجلَّ، للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها. فأما النار فلا تمتلىء حتى يضع رجله فيها فتقول: قط قط فهنالك تمتلىء وينزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله عزَّ وجلَّ من خلقه أحداً، وأما الجنة فإن الله عزَّ وجلَّ ينشىء لها خلقاً آخر" . (حديث آخر): روى مسلم في "صحيحه"، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتجت الجنة والنار فقالت النار: فيّ الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: فيّ ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى بينهما؛ فقال للجنة: إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار، إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها" . وعن عكرمة { وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ }: وهل فيَّ مدخل واحد؟ قد امتلأت. وقال مجاهد: لا يزال يقذف فيها حتى تقول قد امتلأت، فتقول: هل فيّ مزيد؟ وعن عبد الرحمٰن بن زيد بن أسلم نحو هذا، فعند هؤلاء أن قوله تعالى: { هَلِ ٱمْتَلأَتِ } إنما هو بعد ما يضع عليها قدمه فتنزوي وتقول حينئذٍ: هل بقي فيَّ مزيد يسع شيئاً؟ قال العوفي عن ابن عباس: وذلك حين لا يبقى فيها موضع يسع إبرة، والله أعلم.
وقوله تعالى: { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } قال قتادة والسدي: { وَأُزْلِفَتِ } أدنيت وقربت من المتقين، { غَيْرَ بَعِيدٍ } وذلك يوم القيامة وليس ببعيد لأنه واقع لا محالة وكل ما هو آت قريب، { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ } أي رجاع تائب مقلع، { حَفِيظٍ } أي يحفظ العهد فلا ينقضه ولا ينكثه، وقال عبيد بن عمير: الأواب الحفيظ الذي لا يجلس مجلساً فيقوم حتى يستغفر الله عزَّ وجلَّ، { مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } أي من خاف الله في سره حيث لا يراه أحد إلاّ الله عزَّ وجلَّ كقوله صلى الله عليه وسلم:
"ورجل ذكر الله تعالى خالياً ففاضت عيناه" { وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } أي ولقي الله عزَّ وجلَّ، يوم القيامة بقلب منيب سليم إليه خاضع لديه { ٱدْخُلُوهَا } أي الجنة { بِسَلاَمٍ } قال قتادة: سَلِموا من عذاب الله عزّ وجلّ وسلّم عليهم ملائكة الله، وقوله سبحانه وتعالى: { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } أي يخلدون في الجنة فلا يموتون أبداً ولا يظعنون أبداً ولا يبغون عنها حولاً، وقوله جلت عظمته: { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا } أي مهما اختاروا وجدوا من أي أصناف الملاذ طلبوا أحضر لهم، عن كثير بن مرة قال: "من المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول: ماذا تريدون فأمطره لكم؟ فلا يدعون بشيء إلاّ أمطرتهم". وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إنك لتشتهي الطير في الجنة فيخر بين يديك مشوياً" . وروى الإمام أحمد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة" . وقوله تعالى: { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } كقوله عزّ وجلّ: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26]، وقد تقدم في "صحيح مسلم" عن صهيب بن سنان الرومي أنها النظر إلى وجه الله الكريم، وقد روى البزار، عن أنس بن مالك في قوله عزّ وجلّ { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } قال: "يظهر لهم الرب عزّ وجلّ في كل جمعة". وروى الإمام أحمد، عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل في الجنة ليتكىء في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحوّل، ثم تأتيه امرأة تضرب على منكبيه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة، وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب فتسلم عليه فيرد السلام، فيسألها: من أنت؟ فتقول: أنا من المزيد، وإنه ليكون عليها سبعون حلة أدناها مثل النعمان من طوبى، فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك، وإن عليها من التيجان، إنَّ أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب" .