التفاسير

< >
عرض

وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً
١
فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً
٢
فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً
٣
فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً
٤
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ
٥
وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٱقِعٌ
٦
وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ
٧
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ
٨
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ
٩
قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ
١٠
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ
١١
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ
١٢
يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ
١٣
ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
١٤
-الذاريات

مختصر تفسير ابن كثير

قوله تعالى: { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } قال علي رضي الله عنه: الريح، { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } قال: السحاب { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } قال: السفن { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } قال: الملائكة.
وقد روي عن سعيد بن المسيب قال: جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الذاريات ذرواً، فقال عمر رضي الله عنه: هي الرياح، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن المقسمات أمراً، قال رضي الله عنه: هي الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن الجاريات يسراً، قال رضي الله عنه: هي السفن، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته. وهكذا فسرها ابن عباس وابن عمر وغير واحد، ولم يحك ابن جرير غير ذلك، وقد قيل: إن المراد بالذاريات (الريح) وبالحاملات وقراً (السحاب) كما تقدم لأنها تحمل الماء، فأما { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } فالمشهور عن الجمهور أنها السفن. تجري ميسرة في الماء جرياً سهلاً، وقال بعضهم: هي النجوم تجري يسراً في أفلاكها، ليكون ذلك ترقياً من الأدنى إلى الأعلى، فالرياح فوقها السحاب، والنجوم فوق ذلك، والمقسمات أمراً، الملائكة فوق ذلك تنزل بأوامر الله الشرعية والكونية، وهذا قسم من الله عزّ وجلّ على وقوع المعاد، ولهذا قال تعالى: { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } أي لخبر صدق، { وَإِنَّ ٱلدِّينَ } وهو الحساب { لَوَاقِعٌ } أي لكائن لا محالة، ثم قال تعالى: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } قال ابن عباس: ذات الجمال والبهاء، والحسن والاستواء، وقال الضحاك: الرمل والزرع إذا ضربته الريح فينسج بعضه بعضاً طرائق طرائق، فذلك الحبك، وعن أبي صالح { ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } الشدة، وقال خصيف { ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } ذات الصفاقة، وقال الحسن البصري: { ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } حبكت النجوم، وقال عبد الله بن عمرو { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } يعني السماء السابعة وكأنه - والله أعلم - أراد بذلك السماء التي فيها الكواكب الثابتة. وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد وهو الحسن والبهاء، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة، شديدة البناء، متسعة الأرجاء، أنيقة البهاء، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات، موشحة بالكواكب الزاهرات. وقوله تعالى: { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } أي إنكم أيها المشركون المكذبون للرسل { لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } مضطرب لا يلتئم ولا يجتمع، وقال قتادة: { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } ما بين مصدق بالقرآن ومكذب به { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } أي إنما يروج على من هو ضال في نفسه، لأنه قول باطل، ينقاد له ويضل بسببه من هو مأفوك ضال، غِمْر لا فهم له. قال ابن عباس { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } يضل عنه من ضل، وقال مجاهد: يؤفن عنه من أفن، وقال الحسن البصري: يصرف عن هذا القرآن من كذب به، وقوله تعالى: { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } قال مجاهد: الكذابون، وهي مثل التي في عبس،
{ قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } [عبس: 17] والخراصون الذين يقولون: لا نبعث ولا يوقنون، وقال ابن عباس: { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } أي لعن المرتابون، وقال قتادة: الخراصون أهل الغرة والظنون، وقوله تبارك وتعالى: { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } قال ابن عباس وغير واحد: في الكفر والشك غافلون لاهون { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } وإنما يقولون هذا تكذيباً وعناداً، وشكاً واستبعاداً قال الله تعالى: { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } قال ابن عباس: يعذبون، قال مجاهد: كما يفتن الذهب على النار، وقال جماعة آخرون: { يُفْتَنُونَ } يحرقون { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ } قال مجاهد: حريقكم، وقال غيره: عذابكم { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً، وتحقيراً وتصغيراً، والله أعلم.