التفاسير

< >
عرض

وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ
٤٤
فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ
٤٥
يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
٤٦
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٧
وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ
٤٨
وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ
٤٩
-الطور

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى مخبراً عن المشركين بالعناد والمكابرة للمحسوس { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً } أي عليهم يعذبون به لما صدقوا ولما أيقنوا، بل يقولون هذا { سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } أي متراكم، وهذا كقوله: { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } [الحجر: 14-15]، وقال الله تعالى { فَذَرْهُمْ } أي دعهم يا محمد { حَتَّىٰ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } وذلك يوم القيامة، { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } أي لا ينفعهم كيدهم ولا مكرهم الذي استعملوه في الدنيا، لا يجزي عنهم يوم القيامة شيئاً، { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }. ثم قال تعالى: { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } أي قبل ذلك في الدار الدنيا كقوله تعالى: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [السجدة: 21]، ولهذا قال تعالى: { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي نعذبهم في الدنيا ونبتليهم فيها بالمصائب، لعلهم يرجعون وينيبون، فلا يفهمون ما يراد بهم، بل إذا جلي عنهم مما كانوا عليه فيه، عادوا إلى أسوأ مما كانوا كما جاء في بعض الأحاديث: "إن المنافق إذا مرض وعوفي، مثله في ذلك كمثل البعير لا يدري فيما عقلوه ولا فيما أرسلوه" . وقوله تعالى: { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } أي اصبر على أذاهم ولا تبالهم فإنك بمرأى منا وتحت كلاءتنا، والله يعصمك من الناس، وقوله تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } أي إلى الصلاة: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إلٰه غيرك. وروى مسلم في "صحيحه" عن عمر أنه كان يقول: هذا ابتداء الصلاة، وقال أبو الجوزاء: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } أي من نومك من فراشك، واختاره ابن جرير، ويتأيد هذا القول بما رواه الإمام أحمد، عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تعارّ من الليل فقال: لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إلٰه إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: رب اغفر لي - أو قال ثم دعا - أستجيب له، فإن عزم فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته" . وقال مجاهد: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } قال من كل مجلس، وقال الثوري { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } قال إذا أراد الرجل أن يقوم من مجلسه قال سبحانك اللهم وبحمدك، وهذا القول كفارة المجالس، وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إلٰه إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك" . وقوله تعالى: { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } أي أذكره وأعبده بالتلاوة والصلاة في الليل، كما قال تعالى: { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [الإسراء: 79]، وقوله تعالى: { وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ } قد تقدم عن ابن عباس: أنهما الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر، فإنهما مشروعتان عند إدبار النجوم أي عند جنوحها للغيبوبة، لحديث: "لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل، يعني ركعتي الفجر" . وقد ثبت في "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر، وفي لفظ لمسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" .