التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
١٥٢
-الأنعام

مختصر تفسير ابن كثير

عن ابن عباس قال لما أنزل الله: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } و { { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً } [النساء: 10] الآية، انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: { { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } [البقرة: 220] قال: فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم. وقوله تعالى: { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ }، قال الشعبي ومالك: يعني حتى يحتلم، وقال السدي: حتى يبلغ ثلاثين سنة، وقيل: أربعون سنة، وقوله تعالى: { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء كما توعد على تركه في قوله تعالى: { { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } [المطففين: 1-3] وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان، وفي كتاب الجامع لأبي عيسى الترمذي عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والميزان: "إنكم وليتم أمراً هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم" . وقد رواه ابن مردويه في تفسيره، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم معشر الموالي قد بشركم الله بخصلتين بها هلكت القرون المتقدمة: المكيال، والميزان" . وقوله تبارك وتعالى: { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي من اجتهد في أداء الحق وأخذه، فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه. وقوله: { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ }، كقوله: { { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ } [المائدة: 8] الآية، يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال على القريب والبعيد، والله تعالى يأمر بالعدل لكل أحد في كل وقت وفي كل حال، وقوله: { وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ }، قال ابن جرير: يقول: وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا، وإيفاء ذلك أن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم، وتعملوا بكتابه وسنّة رسوله، وذلك هو الوفاء بعهد الله { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }، يقول تعالى: هذا أوصاكم به وأمركم به وأكد عليكم فيه { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه.