التفاسير

< >
عرض

وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً
٨
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً
٩
أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً
١٠
رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً
١١
-الطلاق

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى متوعداً لمن خالف أمره، وكذَّب رسله وسلك غير ما شرعه، ومخبراً عما حل بالأمم السالفة بسبب ذلك فقال تعالى: { وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ } أي تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أمر الله ومتابعة رسله، { فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } أي منكراً فظيعاً، { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا } أي غب مخالفتها وندموا حيث لا ينفعهم الندم، { وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً * أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } أي في الدار الآخرة مع ما عجّل لهم من العذاب في الدنيا، ثم قال تعالى بعد ما قص من خبر هؤلاء: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي الأفهام المستقيمة لا تكونوا مثلهم فيصيبكم ما أصابهم يا أولي الألباب، { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي صدقوا بالله ورسله { قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً } يعني القرآن، كقوله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9]، وقوله تعالى: { رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ }، قال بعضهم: { رَّسُولاً } بدل اشتمال؛ لأن الرسول هو الذي بلغ الذكر، وقال ابن جرير: الصواب أن الرسول ترجمة عن الذكر يعني تفسيراً له، ولهذا قال تعالى: { رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ } أي في حال كونها بينة واضحة جلية، { لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ }، كقوله تعالى: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [إبراهيم: 1]، وقال تعالى: { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [البقرة: 257]، أي من ظلمات الكفر والجهل، إلى نور الإيمان والعلم، وقد سمى الله تعالى الوحي الذي أنزله { نُوراً } لما يحصل به من الهدى، كما سماه { رُوحاً } لما يحصل به من حياة القلوب فقال تعالى: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [الشورى: 52] الآية، وقوله تعالى: { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } قد تقدم تفسير مثل هذا ولله الحمد والمنة.