التفاسير

< >
عرض

تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١
ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ
٢
ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ
٣
ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ
٤
وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَٰطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ
٥
-الملك

مختصر تفسير ابن كثير

يُمَجد تعالى نفسه الكريمة، ويخبر أنه { بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } أي هو المتصرف في جميع المخلوقات، بما يشاء، لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل، لقهره وحكمته وعدله، ولهذا قال تعالى: { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }، ثم قال تعالى: { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ } ومعنى الآية أنه أوجد الخلائق من العدم ليبلوهم، أي يختبرهم أيهم أحسن عملاً، عن قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله أذل بني آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء" ، وقوله تعالى: { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } أي خير عملاً كما قال محمد بن عجلان، ولم يقل أكثر عملاً، ثم قال تعالى: { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ } أي هو العزيز العظيم، المنيع الجناب، وهو غفور لمن تاب إليه وأناب، بعد ما عصاه وخالف أمره، فهو مع ذلك يرحم ويصفح ويتجاوز، ثم قال تعالى: { ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً } أي طبقة بعد طبقة، وقوله تعالى: { مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ } أي ليس فيه اختلاف ولا تنافر، ولا نقص ولا عيب ولا خلل، ولهذا قال تعالى: { فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } أي انظر إلى السماء فتأملها، هل ترى فيها عيباً أو نقصاً أو خللاً أو فطوراً؟ قال ابن عباس ومجاهد { هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } أي شقوق، وقال السدي: أي من خروق، وقال قتادة: أي هل ترى خللاً يا ابن آدم؟ وقوله تعالى: { ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ } مرتين، { يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً } قال ابن عباس: ذليلاً، وقال مجاهد صاغراً، { وَهُوَ حَسِيرٌ } يعني وهو كليل، وقال مجاهد: الحسير المنقطع من الإعياء، ومعنى الآية: إنك لو كررت البصر مهما كررت، لانقلب إليك أي لرجع إليك البصر { خَاسِئاً } عن أن يرى عيباً أو خللاً، { وَهُوَ حَسِيرٌ } أي كليل قد انقطع من الإعياء، من كثرة التكرر ولا يرى نقصاً، ولما نفى عنها في خلقها النقص، بيّن كمالها وزينتها فقال: { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت، وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ } عاد الضمير في قوله { وَجَعَلْنَاهَا } على جنس المصابيح لا على عينها، لأنه لا يرمى بالكواكب التي في السماء، بل بشهب من دونها، وقد تكون مستمدة منها، والله أعلم. { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ } أي جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الأخرى كما قال تعالى: { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [الصافات: 10] قال قتادة: إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال: خلقها الله زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به.