التفاسير

< >
عرض

قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
١٢٣
لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ
١٢٤
قَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ
١٢٥
وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ
١٢٦
-الأعراف

مختصر تفسير ابن كثير

يخبر تعالى عما توعد به فرعون لعنه الله السحرة لما آمنوا بموسى عليه السلام، وما أظهره للناس من كيده ومكره في قوله: { إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا } أي إن غلبته لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضا منكم لذلك، كقوله في الآية الأخرى: { { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } [طه: 71]، وهو يعلم وكل من له لب أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل، فإن موسى عليه السلام بمجرد ما جاء من مدين دعا فرعون إلى الله، وأظهر المعجزات الباهرة والحجج القاطعة على صدق ما جاء به، فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن ملكه وسلطنته، فجمع سحرة متفرقين من سائر الأقاليم ممن اختار وأحضرهم عنده، ووعدهم بالعطاء الجزيل، ولهذا قد كانوا من أحرص الناس على التقدم عند فرعون، وموسى عليه السلام لا يعرف أحداً منهم ولا رآه ولا اجتمع به وفرعون يعلم ذلك، وإنما قال هذا تستراً وتدليساً على رعاع دولته وجهلتهم، كما قال تعالى: { { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } [الزخرف: 54] فإن قوماً صدقوه في قوله { { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 24] من أجهل خلق الله وأضلهم. وقوله: { لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا } أي تجتمعوا أنتم وهو وتكون لكم دولة وصولة وتخرجوا منها الأكابر والرؤساء، وتكون الدولة والتصرف لكم { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي ما أصنع بكم، ثم فسر هذا الوعيد بقوله: { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ } يعني يقطع يده اليمنى ورجله اليسرى أو بالعكس { لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ }، وقال في الآية الأخرى: { { فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [طه: 71] أي على الجذوع، قال ابن عباس: وكان أول من صلب وأول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون، وقول السحرة: { إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } أي قد تحققنا إنا إليه راجعون وعذابه أشد من عذابك، ونكاله على ما تدعونا إليه اليوم، وما أكرهتنا عليه من السحر أعظم من نكالك، فلنصبرن اليوم على عذابك لنخلص من عذاب الله، ولهذا قالوا: { رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً } أي عمّنا بالصبر على دينك والثبات عليه، { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } أي متابعين لنبيك موسى عليه السلام، وقالوا لفرعون: { { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } [طه: 72]، فكانوا في أول النهار سحرة، فصاروا في آخره شهداء بررة، قال ابن عباس: كانوا في أول النهار سحرة وفي آخره شهداء.