التفاسير

< >
عرض

يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ
٣١
-الأعراف

مختصر تفسير ابن كثير

هذه الآية الكريمة رد على المشركين فيما كانوا يعتمدونه من الطواف بالبيت عراة، كما روي عن ابن عباس، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء، الرجال بالنهار، والنساء بالليل، وكانت المرأة تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كلهوما بدا منه فلا أحله

فقال الله تعالى: { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }، وقال العوفي عن ابن عباس: كان رجال يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله بالزينة، والزينةُ اللباس، وهو ما يواري السوأة، وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع، فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد. ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنّة يستحب التجمل عند الصلاة، ولا سيما يوم الجمعة، ويوم العيد، والطيب لأنه من الزينة، والسواك لأنه من تمام ذلك، ومن أفضل اللباس البياض، كما قال الإمام أحمد عن ابن عباس مرفوعاً قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلبسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم الإثم فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر" ، وللإمام أحمد أيضاً وأهل السنن، عن سمرة بن جندب قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بثياب البياض فالبسوها فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم" . ويروى أن تميماً الداري اشترى رداء بألف وكان يصلي فيه.
وقوله تعالى: { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } الآية، قال بعض السلف: جمع الله الطب كله في نصف آية: { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ }، وقال البخاري، قال ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة، وقال ابن عباس: أحل الله الأكل والشرب، ما لم يكن سرفاً أو مخيلة، وفي الحديث:
"كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده" ، وقال الإمام أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان فاعلاً لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه" ، وفي الحديث: " إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت" وقال السدي: كان الذين يطوفون بالبيت عراة يحرمون عليهم الودك (الدسم) ما أقاموا في الموسم، فقال الله تعالى لهم: { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } الآية، يقول: لا تسرفوا في التحريم، وقال مجاهد: أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله، وقال عبد الرحمٰن بن زيد بن أسلم { وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } ولا تأكلوا حراماً ذلك الإسراف، وقال ابن جرير، وقوله: { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }، يقول الله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } [البقرة: 190] حده في حلال أو حرام، الغالين فيما أحل بإحلال الحرام أو بتحريم الحلال، ولكنه يحب أن يحلل ما أحل ويحرم ما حرم، وذلك العدل الذي أمر به.