التفاسير

< >
عرض

قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٧٠
قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ
٧١
فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ
٧٢
-الأعراف

مختصر تفسير ابن كثير

يخبر تعالى عن تمردهم وطغيانهم وعنادهم وإنكارهم على هود عليه السلام، { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ } الآية، كقول الكفار من قريش: { { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]. وقد ذكر محمد بن إسحاق وغيره: أنهم كانوا يعبدون أصناماً، فصنم يقال له: صمد، وآخر يقال له: صمود، وآخر يقال له: الهباء، ولهذا قال هود عليه السلام: { قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } أي قد وجب عليكم بمقالتكم هذه من ربكم رجس، معناه سخط وغضب { أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ } أي أتحاجوني في هذه الأصنام التى سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة وهى لا تضر ولا تنفع، ولا جعل الله لكم على عبادتها حجة ولا دليلاً، ولهذا قال: { مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } وهذا تهديد ووعيد من الرسول لقومه، ولهذا عقّبه بقوله: { فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } وقد ذكر الله سبحانه صفة إهلاكهم فى أماكن أخر من القرآن بأنه أرسل عليهم الريح العقيم { { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [الذاريات: 42]، كما قال فى الآية الأخرى: { { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } [الحاقة: 6] لما تمردوا وعتوا أهلكهم الله بريح عاتية فكانت تحمل الرجل منهم فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أم رأسه، فتثلغ رأسه حتى تبينه من جثته، ولهذا قال: { { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [الحاقة: 7] وقال محمد بن إسحاق: كانوا يسكنون باليمن بين عمان وحضرموت، وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض وقهروا أهلها بفضل قوتهم التى آتاهم الله، وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله، فبعث الله إليهم هوداً عليه السلام، وهو من أوسطهم نسباً وأفضلهم موضعاً، فأمرهم أن يوحدوا الله ولا يجعلوا معه إلهاً غيره، وأن يكفوا عن ظلم الناس، فأبوا عليه وكذبوه، وقالوا: من أشد منا قوة؟ واتبعه منهم ناس - وهم يسير - يكتمون إيمانهم، فلما عتت عاد على الله وكذبوا نبيه، وأكثروا في الأرض الفساد وتجبروا، وبنوا بكل ريع آية عبثاً بغير نفع كلمهم هود فقال: { { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } [الشعراء: 128-130] الآيات.
فلما أبوا إلا الكفر به أمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك، وكان الناس إذا جهدهم أمر فى ذلك الزمان، وطلبوا من الله الفرج فيه إنما يطلبونه بحرمته ومكان بيته، وكان معروفاً عند أهل ذلك الزمان، وبه العماليق مقيمون، فبعثت عاد وفداً قريباً من سبعين رجلاً الى الحرم، ليستقوا لهم عند الحرم فنهضوا الى الحرم، ودعوا لقومهم، فدعا داعيهم، فأنشأ الله سحابات ثلاثاً بيضاء وسوداء وحمراء، ثم ناداه مناد من السماء: اختر لنفسك أو لقومك من هذا السحاب فقال: اخترت هذه السحابة السوداء، فإنها أكثر السحاب ماء، فناداه مناد: "اخترت رماداً رمدداً، لا تبقي من عاد أحداً، لا والداً ولا ولداً، إلا جعلته همداً" وساق الله السحابة السوداء بما فيها من النقمة إلى عاد حتى تخرج عليهم من واد، يقال لها المغيث، فلما رأوها استبشروا، وقالوا: هذا عارض ممطرنا، يقول:
{ { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ } [الأحقاف: 24-25] أي تهلك كل شئ مرت به، فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، كما قال الله تعالى، والحسوم الدائمة، فلم تدع من عاد أحداً إلا هلك، وقد قال الله تعالى: { { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [هود: 58]، وقد ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في "مسنده" قريب مما أورده محمد بن إسحاق عن الحارث البكري قال: إن عاداً قحطوا فبعثوا وافداً لهم يقال له قيل، فمر بمعاوية بن بكر، فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر، وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج الى جبال مهرة، فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيه، فمرت به سحابات سود، فنودي: منها اختر، فأومأ إلى سحابة منها سوداء، فنودي منها: خذها رماداً رمدداً، لا تبقي من عاد أحداً، قال: فلما بلغني أنه بعث الله عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا، قال أبو وائل وصدق قال: وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافداً لهم قالوا: لا تكن كوافد عاد.