التفاسير

< >
عرض

فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ
٣٦
عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ
٣٧
أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ
٣٨
كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ
٣٩
فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ
٤٠
عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ
٤١
فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ
٤٢
يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ
٤٣
خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ
٤٤
-المعارج

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى منكراً على الكفّار الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم مشاهدون لما أيده الله به من المعجزات الباهرات، ثم هم شاردون يميناً وشمالاً فرقاً فرقاً، { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } [المدثر: 50-51]، قال تعالى: { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } أي فما لهؤلاء الكفّار الذين عندك يا محمد { مُهْطِعِينَ } أي مسرعين نافرين منك، قال الحسن البصري { مُهْطِعِينَ } أي منطلقين، { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } واحدها عزة أي متفرقين، وقال ابن عباس: { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } قال: قبلك ينظرون { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } العزين: العصب من الناس عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به، وعن الحسن في قوله: { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } أي متفرقين يأخذون يميناً وشمالاً يقولون: ما قال هذا الرجل؟ وفي الحديث: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حلق فقال: ما لي أراكم عزين" ؟. وقوله تعالى: { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلاَّ } أي أيطمع هؤلاء، والحالة هذه من فرارهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ونفارهم عن الحق، أن يدخلوا جنات النعيم؟ كلا، بل مأواهم جهنم، ثم قال تعالى مقرراً لوقوع المعاد والعذاب بهم مستدلاً عليهم بالبداءة: { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } أي من المني الضعيف، كما قال تعالى: { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } [المرسلات: 20]، وقال: { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } [الطارق: 5-7]، ثم قال تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَارِقِ وَٱلْمَغَارِبِ } أي الذي خلق السماوات والأرض، وسخَّر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها، { إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ } أي يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه فإن قدرته صالحة لذلك، { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } أي بعاجزين، كما قال تعالى: { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } [القيامة: 3-4]، وقال تعالى: { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [الواقعة: 60-61]، واختار ابن جرير { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ } أي أمة تطيعنا ولا تعصينا وجعلها كقوله: { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } [محمد: 38]، والمعنى الأول أظهر لدلالة الآيات الأخر عليه، والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم قال تعالى: { فَذَرْهُمْ } أي يا محمد { يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ } أي دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم، { حَتَّىٰ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } أي فسيعلمون غب ذلك ويذوقون وباله، { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } أي يقومون من القبور، إذا دعاهم الرب تبارك وتعالى لموقف الحساب، ينهضون سراعاً { كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } قال ابن عباس: إلى علم يسعون، وقال أبو العالية: إلى غاية يسعون إليها. { نُصُبٍ } بضم النون والصاد وهو الصنم، أي كأنهم في إسراعهم إلى الموقف، كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه، { يُوفِضُونَ } يبتدرون أيهم يستلمه أول، وهذا مروي عن مجاهد وقتادة والضحّاك وغيرهم، وقوله تعالى: { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ } أي خاضعة { تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } أي في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }.