التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً
٢٥
عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً
٢٦
إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً
٢٧
لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً
٢٨
-الجن

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس: إنه لا علم له بوقت الساعة، ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد { قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } أي مدة طويلة، { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } هذه كقوله تعالى: { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } [البقرة: 255] وهذا يعم الرسول الملكي والبشري، ثم قال تعالى: { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } أي يخصه بمزيد معقبات من الملائكة يحفظونه من أمر الله، ويساوقونه على ما معه من وحي الله، ولهذا قال: { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }، وقد اختلف المفسرون في الضمير في قوله { لِّيَعْلَمَ } إلى من يعود؟ فقيل: إنه عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، روى ابن جرير، عن سعيد بن جبير في قوله: { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } قال: أربعة حفظة من الملائكة مع جبريل { لِّيَعْلَمَ } محمد صلى الله عليه وسلم { أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }، وقال قتادة: { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ } قال: ليعلم نبي الله أن الرسل قد بلغت عن الله، وأن الملائكة حفظتها ودفعت عنها، وقيل المراد: ليعلم أهل الشرك أن قد أبلغوا رسالات ربهم، قال مجاهد: ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم، وفي هذا نظر، ويحتمل أن يكون الضمير عائداً إلى الله عزَّ وجلَّ، ويكون المعنى في ذلك أنه يحفظ رسله بملائكته ليتمكنوا من أداء رسالاته، ويحفظ ما ينزله إليهم من الوحي ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم، ويكون ذلك كقوله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } [البقرة: 143]، وكقوله تعالى: { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } [العنكبوت: 11] إلى أمثال ذلك، مع العلم بأنه تعالى يعلم الأشياء قبل كونها قطعاً لا محالة، ولهذا قال بعد ذلك: { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }.