التفاسير

< >
عرض

وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ
٣١
كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ
٣٢
وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ
٣٣
وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ
٣٤
إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ
٣٥
نَذِيراً لِّلْبَشَرِ
٣٦
لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ
٣٧
-المدثر

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى: { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً } أي خزانها { إِلاَّ مَلاَئِكَةً } أي زبانية غلاظاً شداداً، وذلك رد على مشركي قريش حين ذكر عدد الخزنة، فقال أبو جهل: يا معشر قريش أما يستطيع كل عشرة منكم لواحد منهم فتغلبونهم، فقال الله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً } أي شديدي الخلق لا يقاومون ولا يغالبون، وقد قيل: إن (أبا الأشدين) قال: يا معشر قريش اكفوني منهم اثنين، وأنا أكفيكم منهم سبعة عشر إعجاباً منه بنفسه، وكان قد بلغ من القوة فيما يزعمون أنه كان يقف على جلد البقرة. ويجاذبه عشرة لينزعوه من تحت قدميه، فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه، قال السهيلي: وهو الذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصارعته وقال: إن صرعتني آمنت بك، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم مراراً فلم يؤمن، وقوله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي إنما ذكرنا عدتهم أنهم تسعة عشر اختباراً منا للناس، { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } أي يعلمون أن هذا الرسول حق، فإنه نطق بمطابقة ما بأيديهم من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء قبله، وقوله تعالى: { وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِيمَاناً } أي إلى إيمانهم بما يشهدون من صدق أخبار نبيهم صلى الله عليه وسلم، { وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي من المنافقين، { وَٱلْكَافِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } أي يقولون ما الحكمة في ذكر هذا هٰهنا؟ قال الله تعالى: { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، وقوله تعالى: { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } أي ما يعلم عددهم وكثرتهم إلاّ هو تعالى، لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط، وقد ثبت في حديث الإسراء في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة: "فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم" .
وروى الإمام أحمد، عن أبي ذر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلاّ عليه ملك ساجد، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولا تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى فقال أبو ذر: والله لوددت أني شجرة تعضد" ، وعن جابر بن عبد الله قال، "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف، إلاّ وفيه ملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع، فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعاً سبحانك ما عبدناك حق عبادتك إلاّ أنا لم نشرك بك شيئاً" . وعن ابن مسعود أنه قال: "إن من السماوات سماء ما فيها موضع شبر إلاّ وعليه جبهة ملك أو قدماه قائم، ثم قرأ: { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ }" . وروى محمد بن نصر، عن عباد بن منصور قال: سمعت عدي بن أرطأة وهو يخطبنا على منبر المدائن قال: سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله تعالى ملائكة ترعد فرائصهم من خيفته، ما منهم ملك تقطر منه دمعة من عينه إلاّ وقعت على ملك يصلي، وإن منهم ملائكة سجوداً منذ خلق السماوات والأرض لم يرفعوا رؤوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة، فإذا رفعوا رؤوسهم نظروا إلى وجه الله عزَّ وجلَّ قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك" . وقوله تعالى: { وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } أي النار التي وصفت { إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ }، ثم قال تعالى: { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ * وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } أي وّلى { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } أي أشرق { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } أي العظائم يعني النار، قاله ابن عباس ومجاهد، { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ * لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } أي لمن شاء أن يقبل النذارة ويهتدي للحق، أو يتأخر عنها ويولي ويردها.