التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ
١٨
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ
١٩
كِتَابٌ مَّرْقُومٌ
٢٠
يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ
٢١
إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ
٢٢
عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ
٢٣
تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ
٢٤
يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ
٢٥
خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ
٢٦
وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ
٢٧
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ
٢٨
-المطففين

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى: حقاً إن كتاب الأبرار - وهم بخلاف الفجار - { لَفِي عِلِّيِّينَ } أي مصيرهم إلى عليين وهو بخلاف سجين، روى الأعمش عن هلال بن يساف قال: سأل ابن عباس كعباً - وأنا حاضر - عن سجين؟ قال: هي الأرض السابعة وفيها أرواح الكفار، وسأله عن عليين؟ فقال: هي السماء السابعة وفيها أرواح المؤمنين، وقال ابن عباس: { لَفِي عِلِّيِّينَ } يعني الجنة، وفي رواية عنه: أعمالهم في السماء عند الله، وقال قتادة: عليون ساق العرش اليمنى، وقال غيره: عليون عند سدرة المنتهى، والظاهر أن عليين مأخوذ من العلو، وكلما علا الشيء وارتفع عظم واتسع، ولهذا قال تعالى معظماً ومفخماً شأنه: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ }؟ ثم قال تعالى مؤكداً لما كتب لهم: { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } وهم الملائكة قاله قتادة، وقال ابن عباس: يشهده من كل سماء مقربوها، ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } أي يوم القيامة هم في نعيم مقيم، وجنات فيها فضل عميم { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } وهي السرر تحت الحجال { يَنظُرُونَ } قيل: معناه ينظرون في ملكهم، وما أعطاهم الله من الخير، والفضل الذي لا ينقضي ولا يبيد، وقيل: معناه: { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } إلى الله عزَّ وجلَّ، كما تقدم في حديث ابن عمر: "إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه وإن أعلاهم لمن ينظر إلى الله عزَّ وجلَّ في اليوم مرتين" . وقوله تعالى: { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } أي تعرف إذا نظرت إليهم في وجوههم { نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } أي صفة الترافة والسرور، والدعة والرياسة، مما هم فيه من النعيم العظيم. وقوله تعالى: { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } أي يسقون من خمر من الجنة، والرحيق من أسماء الخمر، وفي الحديث: "أيما مؤمن سقى مؤمناً شربة ماء على ضمإ سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مؤمن كسا مؤمناً ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة" ، وقال ابن مسعود في قوله: { خِتَامُهُ مِسْكٌ } أي خلطه مسك، وقال ابن عياش: طيب الله لهم الخمر، فكان آخر شيء جعل فيها مسك ختم بمسك، وقال الحسن: عاقبته مسك، وقال ابن جرير، عن أبي الدرداء: { خِتَامُهُ مِسْكٌ } قال: شراب أبيض مثل الفضة يختمون به شرابهم، ولو أن رجلاً من أهل الدنيا أدخل أصبعه فيه ثم أخرجها، لم يبق ذو روح إلاّ وجد طيبها، وقال مجاهد: { خِتَامُهُ مِسْكٌ } طيبه مسك، وقوله تعالى: { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } أي وفي مثل هذا الحال فليتفاخر المتفاخرون، وليتباهى وليستبق إلى مثله المستبقون كقوله تعالى: { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } [الصافات: 61]، وقوله تعالى: { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } أي مزاج هذا الرحيق الموصوف { مِن تَسْنِيمٍ } أي من شراب يقال له تسنيم، وهو أشرف شراب أهل الجنة وأعلاه، ولهذا قال: { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ } أي يشربها المقربون صرفاً، وتمزج لأصحاب اليمين مزجاً.