التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ
٥٨
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ
٥٩
-التوبة

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى: { وَمِنْهُمْ } أي ومن المنافقين { مَّن يَلْمِزُكَ } أي يعيب عليك { فِي } قسم { ٱلصَّدَقَاتِ } إذا فرقتها، ويتهمك في ذلك، وهم المتهمون المأبونون، وهم مع هذا لا ينكرون للدين، وإنما ينكرون لحظ أنفسهم، ولهذا { فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } أي يغضبون لأنفسهم، قال قتادة: ومنهم من يطعن عليك في الصدقات، وذكر لنا أن "رجلاً من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم ذهباً وفضة، فقال: يا محمد! والله لئن كان الله أمرك أن تعدل ما عدلت، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ويلك فمن ذا الذي يعدل عليك بعدي؟" . وهذا الذي ذكره قتادة يشبه ما رواه الشيخان عن أبي سعيد في قصة (ذي الخويصرة) "لما اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم حين قسم غنائم حنين، فقال له: اعدل، فإنك لم تعدل، فقال: لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل؛ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رآه مقفياً: إنه يخرج من ضِئْضِيء هذا قوم يحفر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنهم شر قتلى تحت أديم السماء" ، وذكر بقية الحديث. ثم قال تعالى منبهاً لهم على ما هو خير لهم من ذلك { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } فتضمنت هذه الآية الكريمة أدباً عظيماً وسراً شريفاً، حيث جعل الرضا بما آتاه الله ورسوله، والتوكل على الله وحده، في قوله { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ }، وكذلك الرغبة إلى الله وحده، في التوفيق لطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثال أوامره وترك زواجره، وتصديق أخباره والاقتفاء بآثاره.