التفاسير

< >
عرض

إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ
١٢
وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ
١٣
فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ
١٤
لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى
١٥
ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ
١٦
وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى
١٧
ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ
١٨
وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ
١٩
إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ
٢٠
وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ
٢١
-الليل

مختصر تفسير ابن كثير

قال قتادة { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ }: أي نبيّن الحلال والحرام، وقال غيره: من سلك طريق الهدى وصل إلى الله، وجعله كقوله تعالى: { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } [النحل: 9]، وقوله تعالى: { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } أي الجميع ملكنا وأنا المتصرف فيهما، وقوله تعالى: { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } قال مجاهد: أي توهج، وفي الحديث: "إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه" أخرجه البخاري. وفي رواية لمسلم: "إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً" ، وقوله تعالى: { لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى } أي لا يدخلها إلاّ الأشقى، ثم فسره فقال: { ٱلَّذِي كَذَّبَ } أي بقلبه { وَتَوَلَّىٰ } أي عن العمل بجوارحه وأركانه، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار إلاّ شقي، قيل: ومن الشقي؟ قال: الذي لا يعمل بطاعة، ولا يترك لله معصية" . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلاّ من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" ، وقوله تعالى: { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } أي وسيزحزح عن النار التقي النقي، الأتقى ثم فسره بقوله: { ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } أي ليس بذله في مكافأة من أسدى إليه معروفاً، وإنما دفعه ذلك { ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ } أي طمعاً في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات، قال الله تعالى: { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ } أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات، وقد ذكر المفسرون أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع. على ذلك، ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها فإنه كان صدّيقاً تقياً، كريماً جواداً، بذالاً لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له (عروة بن مسعود) وهو سيد ثقيف يوم صلح الحديبية: أما والله لولا يدٌ لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، وكان الصدّيق قد أغلظ له في المقالة، فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم؟ ولهذا قال تعالى: { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ }. وفي الصحيحين "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق زوجين في سبيل الله، دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير، فقال أبو بكر: يا رسول الله ما على من يدعى منها ضرورة، فهل يدعى منها كلها أحد؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم" .