التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
١
وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ
٢
ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ
٣
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
٤
فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً
٥
إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً
٦
فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ
٧
وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ
٨
-الشرح

مختصر تفسير ابن كثير

يقول تعالى: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } يعني قد شرحنا لك صدرك أي نورناه، وجعلناه فسيحاً رحيباً واسعاً كقوله: { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } [الأنعام: 125]، وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحاً سمحاً سهلاً، لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق، وقيل: المراد بقوله: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } شرح صدره ليلة الإسراء، وهذا وإن كان واقعاً ليلة الإسراء ولكن لا منافاة، فإن من جملة شرح صدره الحسي الشرح المعنوي أيضاً، وقوله تعالى: { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ }، بمعنى { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 2]، { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } الإنقاض الصوت أي أثقلك حمله، وقوله تعالى: { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } قال مجاهد: لا أذكر إلاّ ذكرت معي "أشهد أن لا إلٰه إلاّ الله وأشهد أن محمداً رسول الله" وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلاّ ينادي بها، أشهد أن لا إلٰه إلا الله وأن محمداً رسول الله، روى ابن جرير عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك يقول، كيف رفعت ذكرك؟ قال: الله أعلم، قال: إذا ذكرتُ ذكرتَ معي" . وحكى البغوي عن ابن عباس ومجاهد أن المراد بذلك الأذان، يعني ذكره فيه، كما قال حسان بن ثابت:

وضم الإلٰه اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد

وقال آخرون: رفع الله ذكره في الأولين والآخرين، ونوه به حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به، وأن يأمروا أُممهم بالإيمان به، ثم شهر ذكره في أمته، فلا يذكر الله إلاّ ذكر معه.
وقوله تعالى: { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } أخبر تعالى أن مع العسر يوجد اليسر، ثم أكد هذا الخبر، بقوله { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً }، قال الحسن: كانوا يقولون: لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين، وعن قتادة ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشّر أصحابه بهذه الآية فقال:
"لن يغلب عسر يُسْرَيْن" ، ومعنى هذا أن العسر معرف في الحالين، فهو مفرد، واليسر منكر، فتعدّد، ولهذا قال: "لن يغلب عسر يسرين" يعني قوله: { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } فالعسر الأول عين الثاني، واليسر تعدّد، ومما يروى عن الشافعي أنه قال:

صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا من راقب الله في الأمور نجا
من صدّق الله لم ينله أذى ومن رجاه يكون حيث رجا

وقال الشاعر:

ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج
كملت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج

وقوله تعالى: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ } أي إذا فرغت من أُمور الدنيا وأشغالها، وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة، وقم إليها نشيطاً فارغ البال، واخلص لربك النية والرغبة، قال مجاهد في هذه الآية: إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة فانصب لربك، وعن ابن مسعود: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل، وفي رواية عنه { فَٱنصَبْ } بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس، وقال ابن عباس { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } يعني في الدعاء، وقال الضحّاك { فَإِذَا فَرَغْتَ } أي من الجهاد { فَٱنصَبْ } أي في العبادة { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ } قال الثوري: اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عزَّ وجلَّ.