التفاسير

< >
عرض

وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ
١
وَطُورِ سِينِينَ
٢
وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ
٣
لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ
٤
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ
٥
إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
٦
فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ
٧
أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ
٨
-التين

مختصر تفسير ابن كثير

اختلف المفسرون هٰهنا على أقوال كثيرة فقيل: المراد بالتين دمشق، وقيل: الجبل الذي عندها، وقال القرطبي: هو مسجد أصحاب الكهف، وروي عن ابن عباس: أنه مسجد نوح الذي على الجودي، وقال مجاهد: هو تينكم هذا { وَٱلزَّيْتُونِ } قال قتادة: هو مسجد بيت المقدس، وقال مجاهد وعكرمة: هو هذا الزيتون الذي تعصرون، { وَطُورِ سِينِينَ } هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، { وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } يعني مكة، قاله ابن عباس ومجاهد، وقال بعض الأئمة: هذه محال ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبياً مرسلاً من أولي العزم، أصحاب الشرائع الكبار. (فالأول) محلة التين والزيتون وهي (بيت المقدس) التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم عليه السلام، (والثاني) طور سينين وهو (طور سيناء) الذي كلم الله عليه موسى بن عمران، (والثالث) مكة وهو (البلد الأمين) الذي من دخله كان آمناً، وهو الذي أرسل فيه محمداً صلى الله عليه وسلم، قالوا: وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة: جاء الله من طور سيناء - يعني الذي كلم الله عليه موسى بن عمران - وأشرق من ساعير - يعني جبل المقدس الذي بعث الله منه عيسى - واستعلن من جبال فاران - يعني جبال مكة التي أرسل الله منها محمداً صلى الله عليه وسلم، فذكرهم مخبراً عنهم على الترتيب الوجودي، بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشرف ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما، وقوله تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } هذا هو المقسم عليه، وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل؛ منتصب القامة، سويّ الأعضاء حسنها. { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } أي إلى النار. أي بعد هذا الحسن والنضارة، مصيره إلى النار إن لم يطع الله ويتبع الرسل، ولهذا قال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ }، وقال بعضهم: { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } أي إلى أرذل العمر. واختار ذلك ابن جرير، ولو كان هذا هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك، لأن الهرم قد يصيب بعضهم، وإنما المراد ما ذكرناه كقوله تعالى: { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [العصر: 1-3]، وقوله: { فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي غير مقطوع، ثم قال: { فَمَا يُكَذِّبُكَ } أي يا ابن آدم { بَعْدُ بِٱلدِّينِ }؟ أي بالجزاء في المعاد، ولقد علمت البدأة وعرفت أن من قدر على البدأة فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى: فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا؟ روى ابن أبي حاتم عن منصور قال: قلت لمجاهد: { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ } عنى به النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: "معاذ الله" عنى به الإنسان، وقوله تعالى: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } أي أما هو أحكم الحاكمين الذي لا يجور ولا يظلم أحداً، ومن عدله أن يقيم القيامة فينتصف للمظلوم في الدنيا ممن ظلمه، وقد قدمنا في حديث أبي هريرة مرفوعاً: فإذا قرأ أحدكم والتين والزيتون فأتى على آخرها { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.