التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢٢٤
لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
٢٢٥
لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٢٢٦
وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢٢٧
-البقرة

تفسير آيات الأحكام

[15] النهي عن كثرة الحلف
التحليل اللفظي
{ عُرْضَةً }: بضم العين أي مانعاً، وكل ما يعترض فيمنع عن الشيء فهو (عُرْضة) ولهذا يقال للسحاب: عارضٌ، لأنه يمنع رؤية السماء والشمس، واعترض فلانٌ فلاناً أي منعه من فعل ما يريد.
والمعنى: لا تجعلوا الحلف بالله سبباً مانعاً لكم من البر والتقوى، إذا دعي أحدكم لبرٍ أو إصلاح يقول: قد حلفت أن لا أفعله فيتعلّل باليمين.
قال الرازي: المراد النهي عن الجراءة على الله بكثرة الحلف به، لأن من أكثر من ذكر شيء فقد جعله عُرْضة له، يقول الرجل: قد جعلتني عُرْضة للومك، وقال الشاعر:

فلا تجعلني عُرْضة للَّوائم

قال الجصاص: المعنى لا تعترضوا اسم الله وتبذلوه في كل شيء حقاً كان أو باطلاً، فالله ينهاكم عن كثرة الأيمان والجرأة على الله تعالى، وكذلك لا تجعلوا اليمين بالله عرضة مانعة من البر والتقوى والإصلاح.
{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ }: قال الراغب: اللغو في الكلام ما لا يُعتد به، وهو الذي يُورد لا عن روية وفكر، فيجري مجرى (الّلغا) وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور، وأنشد أبو عبيدة:

عن الّلغا ورفث التكلم

قال الإمام الفخر: "اللغو: الساقط الذي لا يعتد به، سواء كان كلاماً أو غيره، ولغو الطائر: تصويته، ويقال لما لا يعتد به من أولاد الإبل: لغو".
{ يُؤْلُونَ }: أي يحلفون، والمصدر (إيلاء) والاسم منه (أليّة) والأليّة، والقسم واليمين، والحلف، كلها عبارات عن معنى واحد، قال الشاعر:

فآليتُ لا أنفكّ أحْدو قصيدةًتكون وإيّاها بها مثلاً بعدي

هذا هو المعنى اللغوي، وأما في عرف الشرع فهو اليمين على ترك وطء الزوجة.
{ تَرَبُّصُ }: التربص في اللغة الانتظار ومنه قوله تعالى:
{ { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } [الطور: 31] أي انتظروا فأنا من المنتظرين معكم قال الشاعر:

تربّصْ بها ريب المنون لعلّهاتُطلّقُ يوماً أو يموت حليلها

وإضافة التربص إلى الأشهر من إضافة المصدر إلى الظرف.
{ فَآءُو }: أي رجعوا ومنه قوله تعالى:
{ { حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ } [الحجرات: 9] أي ترجع، ومنه قيل للظل بعد الزوال (فيء) لأنه رجع بعد أن تقلص.
قال الفراء: العرب تقول: فلان سريع الفيء والفيئة أي سريع الرجوع عن الغضب إلى الحالة المتقدمة. قال الشاعر:

ففاءت ولم تقض الذي أقبلت لهومن حاجة الإنسان ما ليس قاضياً

ومعنى الآية: فإن رجعوا عما حلفوا عليه من ترك معاشرة نسائهم فإن الله غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين على الظلم.
المعنى الإجمالي
لا تجعلوا - أيها المؤمنون - الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير، فإذا سئل أحدكم عن أمرٍ فيه برٌّ، وخير، وإصلاح، قال: قد حلفت بالله ألاّ أفعله، وأريد أن أبرّ بيميني، فلا تتعللوا باليمين بل افعلوا الخير وكفّروا عن أيمانكم، ولا تكثروا الحلف فتجعلوا الله هدفاً لأيمانكم تبتذلون اسمه المعظم في أمور دنياكم، فإن الحلاّف مجترئ على ربه فلا يكون براً ولا تقياً. لا يؤاخذكم الله بما يجري على ألسنتكم من ذكر اسم الله من غير قصد الحلف، ولكن يؤاخذكم بما قصدتم إليه وعقدتم القلب عليه من الأيمان، والله واسع المغفرة، حليم لا يعاجل عباده بالعقوبة.
للذين يحلفون منكم على اعتزال نسائهم، ويقسمون على ألاّ يقربوهن للإضرار بهن، على نسوة هؤلاء الحالفين انتظار مدة أقصاها أربعة أشهر، فإن رجعوا إلى عشرة أزواجهن بالمعروف كما أمر الله، فالله يغفر لهم ما صدر منهم من إساءة، وإن صمّموا على الإيلاء من الأزواج، فقد وقعت الفرقة والطلاق بمضي تلك المدة، والله سميع لأقوالكم، عليم بنواياكم وأعمالكم.
سبب النزول
روي أنها نزلت في (عبد الله بن رواحة) كان بينه وبين ختنه (بشير بن النعمان) شيء فحلف عبد الله لا يدخل عليه، ولا يكلمه، ولا يصلح بينه وبين خصم له، فكان إذا قيل له فيه يقول: قد حلفت بالله أن لا أفعل، فلا يحل لي أن لا أبر بيميني، فأنزل الله { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ }.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى: ذمّ الله تعالى من أكثر الحلف بقوله:
{ { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } [القلم: 10] وكان العرب يمدحون الإنسان بالإقلال من الحلف كما قال كثير:

قليلُ الألايا حافظٌ ليمينهوإن سبقتْ منه الأليّةُ برّت

قال الإمام الفخر: "والحكمة في الأمر بتقليل الأيمان، أنّ من حلف في كل قليل وكثير بالله، انطلق لسانه بذلك ولا يبقى لليمين في قلبه وقع، فلا يُؤمنُ إقدامه على اليمين الكاذبة، ومن كمال التعظيم لله أن يكون ذكر الله أجل وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية".
اللطيفة الثانية: ذكر الله العلة في هذا النهي بقوله: { أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ } أي إرادة أن تبروا وتتقوا، فإن قيل: كيف يلزم من ترك الحلف حصول البر والتقوى؟
فالجواب: أن من ترك الحلف لاعتقاده أن الله تعالى أجل وأعظم من أن يستشهد باسمه العظيم في مطالب الدنيا، والخسائس من أمور الحياة، فلا شك أن هذا من أعظم أبواب البر والتقوى.
اللطيفة الثالثة: قال الإمام الجصاص: "قد ذكر الله تعالى اللغو في مواضع من كتابه العزيز، فكان المراد به معاني مختلفة على حسب الأحوال التي خرج عليها الكلام فقال تعالى:
{ { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } [الغاشية: 11] يعني كلمة فاحشة قبيحة وقال: { { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } [الواقعة: 25] على هذا المعنى، وقال: { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } [القصص: 55] يعني الكفر والكلام القبيح، وقال { { وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [فصلت: 26] يعني الكلام الذي لا يفيد شيئاً، وقال: { { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } [الفرقان: 72] يعني الباطل، ويقال: لغا في كلامه يلغو إذا أتى بكلام لا فائدة فيه".
اللطيفة الرابعة: الحكمة في تحديد مدة الإيلاء بأربعة أشهر، هي أن التأديب بالهجر ينبغي ألا يتجاوز هذه المدة، فالمرأة ينفد صبرها عن غياب بعلها هذه المدة، ولا تستطيع أن تصبر أكثر منها.
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوف ليلة بالمدينة فسمع امرأة تنشد هذه الأبيات:

تطاول هذه الليلُ واسودّ جانبُهوأرّقني ألاّ حبيب ألاعبُه
فوا اللهِ لولا الله لا شيء غيرهُلزُعْزع من هذا السرير جوانبُه
مخافة ربي والحياءُ يكفّّنيوإكرام بعلي أن تُنال مراكبُه

فلما كان من الغد سأل عن المرأة أين زوجها؟ فقالوا يا أمير المؤمنين: بعثت به إلى العراق، فاستدعى نساءً فسألهن عن المرأة كم تصبر عن زوجها؟ فقلن شهراً، وشهرين، ويقلّ صبرها في ثلاثة أشهر، وينفذ صبرها في أربعة أشهر، فجعل عمر مدة غزو الرجل أربعة أشهر، فإذا مضت المدة استردّ الغازين ووجّه بقومٍ آخرين.
قال القرطبي: "وهذا يقوّي اختصاص مدة الإيلاء بأربعة أشهر والله أعلم".
اللطيفة الخامسة: روي أن الإيلاء في الجاهلية كان طلاقاً، قال سعيد بن المسيب: "كان الرجل لا يريد المرأة، ولا يحب أن يتزوجها غيره، فيحلف ألا يقربها فكان يتركها لا أيّما ولا ذات بعل، والغرض منه مضارة المرأة، فأزال الله تعالى ذلك الظلم، وأمهل الزوج مدة حتى يتروّى ويتأمل، فإن رأى المصلحة في ترك هذه المضارة فعلها، وإن رأى المصلحة في المفارقة عن المرأة فارقها".
الأحكام الشرعية
الحكم الأول: ما المراد باليمين اللغو، وهل فيه كفارة؟
دل قوله تعالى: { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } على أن اليمين اللغو لا إثم فيه ولا كفارة، وقد اختلف الفقهاء في تعريف هذه اليمين على أقوال:
أ - قال الشافعي وأحمد: اللغو في اليمين هو: ما يجري على اللسان من غير قصد الحلف، كقول الرجل في كلامه: لا والله، وبلى والله دون قصد لليمين، وهذا التأويل منقول عن بعض السلف كعائشة، والشعبي، وعكرمة.
ب - وقال أبو حنيفة ومالك: اللغو في اليمين هو: أن يحلف على شيء يظنه كما يعتقد فيكون بخلافه، وهذا التأويل منقول عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد.
قال مالكرحمه الله في "الموطأ": "أحسنُ ما سمعت في هذه أنّ اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد الأمر بخلافه فلا كفارة فيه".
وفي البخاري: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "نزل قوله تعالى: { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } في قول الرجل: لا والله، وبلى والله".
والصحيح أن اللغو: يشمل النوعين وهو اختيار ابن جرير الطبري فقد قالرحمه الله : "واللغو في كلام العرب: كلّ كلام كان مذموماً، وفعلٍ لا معنى له مهجوراً، فإذا كان اللغو ما وصفتُ، وكان الحالف بالله ما فعلت كذا وقد فعل، ولقد فعلت كذا وما فعل، على سبيل سبق لسانه، والقائل: والله إن هذا لفلان وهو يراه كما قال، أو والله ما هذا فلان وهو يراه ليس به، والقائل: لا يفعل كذا والله على سبيل ما وصفنا من عجلة الكلام، وسبوق اللسان، على غير تعمد حلفٍ على باطل، جميعهم حالفون من الأيمان بألسنتهم ما لم تتعمد فيه الإثم قلوبُهم، كان معلوماً أنهم لغاةٌ في أيمانهم لا تلزمهم كفارة".
الحكم الثاني: ما هو الإيلاء، وما هو حكمه؟
تقدم معنا تعريف الإيلاء لغة، وأمّا شرعاً: فهو أن يحلف الرجل على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر، كأن يقول: والله لا أقربك، أو لا أجامعك، أو أمثال هذه الكلمات.
قال ابن عباس: "كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، يقصدون بذلك إيذاء المرأة عند المساءة، فوقّت الله لهم أربعة أشهر، فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلاء حكمي".
واتفق العلماء على أنه لو هجرها مدة تزيد على أربعة أشهر لا يكون مؤلياً حتى يحلف لقوله تعالى: { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ } أي يحلفون، وهجرانها ليس بيمين فلا يتعلق به وجوب الكفارة، ولا تطلق منه زوجته بالهجر.
واختلفوا في المدة التي تَبِيْنُ فيها المرأة من زوجها، فقال ابن عباس: إذا مضت أربعة أشهر قبل أن يفئ بانت بتطليقة، وهذا مذهب أبي حنيفةرحمه الله .
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا تطلق بمضي المدة وإنما يؤمر الزوج بالفيئة (الرجوع عن يمينه) أو بالطلاق، فإذا امتنع الزوج منهما طلقها الحاكم عليه.
حجة أبي حنيفة: أن الله تعالى حدّد المدة للفيء بأربعة أشهر، فإذا لم يرجع عن يمينه في هذه المدة فكأنه أراد طلاقها وعزم عليه، والعزيمة في الحقيقة إنما هي عقد القلب على الشيء تقول: عزمت على كذا أي عقدت قلبي على فعله فهذا هو المراد من قوله تعالى: { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَق } أي عقدوا عليه قلوبهم، ولم تشترط الآية أن يطلق بالفعل.
حجة الجمهور: أن قوله تعالى: { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَق } صريح في أنّ وقوع الطلاق إنما يكون بإيقاع الزوج، فلا يكفي مضي المدة بل لا بدّ بعدها من الفيء أو الطلاق.
قال الشوكاني في تفسيره "فتح القدير": "واعلم أن أهل كل مذهب قد فسّروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم، وتكلفوا بما لم يدّل عليه اللفظ، ومعناها ظاهر واضح، وهو أن الله جعل الأجل لمن يؤلي: أي يحلف من امرأته أربعة أشهر، ثم قال مخبراً عباده بحكم هذا (المؤلي) بعد هذه المدة (فإن فاءوا) أي رجعوا إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي لا يؤخذهم بتلك اليمين بل يغفر لهم ويرحمهم { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَق } أي وقع العزم منهم عليه والقصد له { فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لذلك منهم { عَلِيمٌ } به، فهذا معنى الآية الذي لا شك فيه ولا شبهة".
الحكم الثالث: هل يشترط في اليمين أن تكون للإضرار؟
قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: يصح الإيلاء في حال الرضا والغضب.
وقال مالك: لا يكون إيلاءً إلا إذا حلف عليها في حال غضب على وجه الإضرار.
حجة مالك: ما روي عن (علي كرّم الله وجهه) أنه سئل عن رجلٍ حلف ألاّ يطأ امرأته حتى تفطم ولدها، ولم يرد الإضرار بها وإنما قصد مصلحة الولد فقال له: إنما أردتَ الخير، وإنما الإيلاء في الغضب.
وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا إيلاء إلاّ بغضب.
حجة الجمهور: أن الآية عامة { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ } فهي تشمل من حلف بقصد الإضرار، أو حلف بقصد المصلحة لولده، فالكل يشمله لفظ (الإيلاء).
قال الشعبي: كل يمين مَنعتْ جِماعاً حتى تمضي أربعة أشهر فهي إيلاء.
وقد رجّح ابن جرير الطبري الرأي الأول (رأي الجمهور) فقال: والصواب قول من قال: "كل يمين مَنعتْ الجماع أكثر من المدة التي جعل الله للمؤلي التربص بها قائلاً في غضب كان ذلك أو رضى فهو إيلاء".
الحكم الرابع: ما المراد بالفيء في الآية الكريمة؟
اختلف الفقهاء في الفيء الذي عناه الله تعالى بقوله: { فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
فقال بعضهم: المراد بالفيء الجماع لا فيء غيره، فإذا لم يغشها وانقضت المدة بانت منه، وهو قول (سعيد بن جبير) و(الشعبي).
وقال آخرون: الفيء: الجماع لمن لا عذر له، فإن كان مريضاً أو مسافراً أو مسجوناً فيكفي المراجعة باللسان أو القلب، وهذا مذهب جمهور العلماء.
وقال آخرون: الفيء: المراجعة باللسان على كل حال فيكفي أن يقول: قد فئت إليها وهو قول النخعي.
وأعدل الأقوال القول الثاني: وهو قول جمهور الفقهاء والله أعلم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 - عدم جواز الحلف على المنع من فعل البر والخير.
2 - من حلف على يمين ورأى الخير في خلافها فليفعل الخير وليكفّر.
3 - اليمين اللغو التي لا يقصد بها اليمين لا مؤاخذة عليها ولا كفارة فيها.
4 - الإيلاء من الزوجة بقصد الإضرار يتنافى مع وجوب المعاشرة بالمعروف.
5 - إذا لم يرجع الزوج عن يمينه في مدة أربعة شهور تطلق عليه زوجته.
خاتمة البحث:
حكمة التشريع
أمرت الشريعة الغرّاء بالإحسان إلى الزوجة ومعاشرتها بالمعروف، وحرّمت إيذاءها والإضرار بها بشتى الصور والأشكال
{ { وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } [النساء: 19].
ولمّا كان الإيلاء من الزوجة، وهجرها في المضاجع مدة طويلة من الزمن، لا يقصد منه إلا الإساءة إلى الزوجة والإضرار بها، بحيث تصبح المرأة معلقة، ليست بذات زوج ولا مطلّقة، وكان هذا مما يتنافى مع وجوب المعاشرة بالمعروف ولا يتفق مع تعاليم الإسلام الرشيدة، لذلك فقد أمر الباري جل وعلا بإمهال هذا الزوج مدة من الزمن أقصاها أربعة شهور، فإن عاد إلى رشده فكفّر عن يمينه، وأحسن معاملة زوجته فعاشرها بالمعروف، ودفع عنها الإساءة والظلم فهي زوجته، وإلاّ فقد طلقت منه بذلك الإصرار، وهذا من محاسن الشريعة الغراء، حيث دفعت عن كاهل المرأة الظلم ودعت إلى البر بها والإحسان، وجعلتها شريكة الرجل في الحياة السعيدة الكريمة.