التفاسير

< >
عرض

وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ
٢٣
-يوسف

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره: وراودت امرأة العزيز وهي التـي كان يوسف فـي بـيتها عن نفسه أن يواقعها. كما:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: ولـما بلغ أشدّه راودته التـي هو فـي بـيتها عن نفسه: امرأة العزيز.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { وَرَاوَدَتْهُ التـي هُوَ فِـي بَـيْتِها عَنْ نَفْسِهِ } قال: أحبته.

قال: ثنـي أبـي، عن إسرائيـل، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، قال: قالت تعاله.

وقوله: { وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ } يقول: وغلَّقت الـمرأة أبواب البـيوت، علـيها وعلـى يوسف لـما أرادت منه وراودته علـيه، بـابـاً بعد بـاب.

وقوله: { وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة: { هَيْتَ لَكَ } بفتـح، الهاء والتاء، بـمعنى: هلـمّ لك وادن وتقرّب، كما قال الشاعر لعلـيّ بن أبـي طالب رضي الله عنه

: أبْلِغْ أمِيرَ الـمُؤْمِنِـينَ
أخا العِراقِ إذَا أتَـيْتا أنَّ العِرَاقَ وأهْلَهُ
عُنُقٌ إلـيكَ فهَيْتَ هَيْتا

يعنـي: تعال واقرب.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك تأولّه من قرأه كذلك:

حدثنـي مـحمد بن عبد الله الـمخرمي، قال: ثنا أبو الـجوّاب، قال: ثنا عمار بن زريق، عن الأعمش، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس: { هَيْتَ لَكَ } قال: هلـمّ لك.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { هَيْتَ لَكَ } قال: هلـمّ لك.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قال: { هَيْتَ لَكَ } تقول: هلـمّ لك.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبـيش، أنه كان يقرأ هذا الـحرف: { هَيْتَ لَكَ } نصبـاً: أي هلـمّ لك.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عبـاس، قوله: { هَيْتَ لَكَ } قال: تقول: هلـمّ لك.

حدثنـي أحمد بن سهيـل الواسطي، قال: ثنا قرة بن عيسى، قال: ثنا النضر بن علـيّ الـجزري، عن عكرمة، مولـى ابن عبـاس، فـي قوله: { هَيْتَ لَكَ } قال: هلـمّ لك. قال: هي بـالـحورانـية.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:{ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } قال: كان الـحسن يقول: هلـمّ لك.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الـحسن: { هَيْتَ لَكَ } يقول بعضهم: هلـمّ لك.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ:{ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } قال: هلـمّ لك. وهي بـالقبطية.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن عمرو، عن الـحسن: { هَيْتَ لَكَ } قال: كلـمة بـالسريانـية: أي علـيك.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الـحسن: { هَيْتَ لَكَ } قال: هلـمّ لك.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا خـلف بن هشام، قال: ثنا مـحبوب، عن قتادة، عن الـحسن: { هَيْتَ لَكَ } قال: هلـمّ لك.

قال: ثنا عفـان، قال: ثنا حماد، عن عاصم، عن زر: { هَيْتَ لَكَ }: أي هلـمّ.

حدثنـي الـحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا الثوري، قال: بلغنـي فـي قوله: { هَيْتَ لَكَ } قال: هلـمّ لك.

حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبـيد، قال: ثنا علـيّ بن عاصم، عن خالد الـحذاء، عن عكرمة عن ابن عبـاس أنه قرأ: { هَيْتَ لَكَ } وقال: تدعوه إلـى نفسها.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله تعالـى: { هَيْتَ لَكَ } قال: لغة عربـية تدعوه بها.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله، إلا أنه قال: لغة بـالعربـية تدعوه بها إلـى نفسها.

حدثنا الـحسن، قال: ثنا شبـابة، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثل حديث مـحمد بن عمرو سواء.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيـم، عن يونس، عن الـحسن: { هَيْتَ لَكَ } بفتـح الهاء والتاء، وقال: تقول: هلمّ لك.

حدثنـي الـحارث، قال أبو عبـيدة: كان الكسائيّ يحكيها، يعنـي: { هَيْتَ لَكَ } قال: وقال: وهي لغة لأهل حوران وقعت إلـى الـحجاز، معناها: «تعال». قال: وقال أبو عبـيد: سألت شيخاً عالـماً من أهل حوران، فذكر أنها لغتهم يعرفها.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: { هَيْتَ لَكَ } قال: تعال.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } قال: هلـمّ لك إلـيّ.

وقرأ ذلك جماعة من المتقدمين: «وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ» بكسر الهاء وضمّ التاء والهمز، بـمعنى: تهيأت لك، من قول القائل: هئت للأمر أهيء هيئة. ومـمن رُوي ذلك عنه ابن عبـاس وأبو عبد الرحمن السُلـمِي وجماعة غيرهما.

حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا الـحجاج، عن هارون، عن أبـان العطار، عن قتادة: أن ابن عبـاس قرأها كذلك مكسورة الهاء مضمومة التاء. قال أحمد: قال أبو عبـيد: لا أعلـمها إلا مهموزة.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن أبـان العطار، عن عاصم، عن أبـي عبد الرحمن السلـمي: «هِئْتُ لَكَ» أي تهيأت لك.

قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان عكرمة يقول: تهيأت لك.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: «هِئْتُ لَكَ» قال عكرمة: تهيأت لك.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا الـحجاج، قال: ثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، قال: كان أبو وائل يقول: «هِئْتُ لَكَ»: أي تهيأت لك.

وكان أبو عمرو بن العلاء والكسائي ينكران هذه القراءة.

حُدثت عن علـيّ بن الـمُغيرة، قال: قال أبو عبـيدة معمر بن الـمثنى، شهدت أبـا عمرو وسأله أبو أحمد، أو أحمد، وكان عالـما بـالقرآن، عن قول من قال: «هِئْتُ لَكَ» بكسر الهاء وهمز الـياء، فقال: أبو عمرو. ينسي أي بـاطل جعلها، «فعِلت» من «تهيأت»، فهذا الـخندق، فـاستعرض حتـى تنتهِي إلـى الـيـمن، هل تعرف أحداً يقول هئت لك؟

حدثنـي الـحارث، قال: ثنا القاسم، قال: لـم يكن الكسائي يحكي هِئْتُ لَكَ عن العرب.

وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة: «هِيتَ لَكَ» بكسر الهاء وتسكين الـياء وفتـح التاء.

وقرأه بعض الـمكيـين: «هَيْتُ لَكَ» بفتـح الهاء وتسكين الـياء وضمّ التاء.

وقرأه بعض البصريـين، وهو عبد الله بن إسحاق: «هَيْتِ لَكَ» بفتـح الهاء وكسر التاء. وقد أنشد بعض الرواة بـيتاً لطرفة بن العبد فـي «هَيْتُ» بفتـح الهاء وضم التاء، وذلك

: لَـيْسَ قَوْمي بـالأَبْعَدِينَ إذَا ما
قالَ دَاعٍ مِنَ العَشِيرَةِ هَيْتُ

وأولـى القراءة فـي ذلك، قراءة من قرأه: { هَيْتَ لَكَ } بفتـح الهاء والتاء، وتسكين الـياء، لأنها اللغة الـمعروفة فـي العرب دون غيرها، وأنها فـيـما ذكر قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن أبـي وائل، قال ابن مسعود: قد سمعتُ القرأة فسمعتهم متقاربـين، فـاقرءوا كما علـمتـم، وإياكم والتنطع والاختلاف، فإنـما هو كقول أحدكم: هلـمّ وتعال. ثم قرأ عبد الله: { هَيْتَ لَكَ } فقلت: يا أبـا عبد الرحمن إن ناساً يقرءونها: «هِيتَ لَكَ» فقال عبد الله: إنـي أقرؤها كما علـمت أحبّ إلـيّ.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبـي وائل، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقرأ هذه الآية: { وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } قال: فقالوا له: ما كنا نقرؤها إلا «هِيتَ لَكَ». فقال عبد الله إنـي أقرؤها كما علـمت أحبُّ إلـيّ.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيـينة، عن منصور، عن أبـي وائل، قال: قال عبد الله: { هَيْتَ لَكَ } فقال له مسروق: إن ناساً يقرءونها: «هِيتَ لَكَ» فقال: دعونـي، فإنـي أقرأ كما أقرئت أحبّ إلـيّ.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا آدم العسقلانـي، قال: ثنا شعبة، عن الأعمش، عن شقـيق، عن ابن مسعود قال: { هَيْتَ لَكَ } بنصب الهاء والتاء وبلا همز.

وذكر أبو عبـيدة معمر بن الـمثنى، أن العرب لا تثنـي { هَيتَ لَكَ } ولا تـجمع ولا تؤنث، وأنها تصوّره فـي كلّ حال، وإنـما يتبـين العدد بـما بعد، وكذلك التأنـيث والتذكير، وقال: تقول للواحد: هيت لك، وللاثنـين: هيت لكما، وللـجمع: هيت لكم، وللنساء: هيت لكن.

وقوله: { قالَ مَعاذَ اللَّهُ } يقول جلّ ثناؤه: قال يوسف إذ دعته الـمرأة إلـى نفسها وقالت له هلـمّ إلـيّ: أعتصم بـالله من الذي تدعونـي إلـيه وأستـجير به منه.

وقوله: { إنَّهُ رَبّـي أحْسَنَ مَثْوَايَ } يقول: إن صاحبك وزوجك سيدي. كما:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: { مَعاذَ اللَّهِ إنَّهُ رَبّـي } قال: سيدي.

قال: ثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح: { إنَّهُ رَبّـي } قال: سيدي.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: { قالَ مَعاذَ اللَّهَ إنَّهُ رَبّـي أحْسَنَ مَثْوَايَ } قال: سيدي. يعنـي: زوج الـمرأة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: { قالَ مَعاذَ اللَّهِ إنَّهُ رَبـي } يعنـي: إطفـير، يقول: إنه سيدي.

وقوله: { أحْسَنَ مَثْوَايَ } يقول: أحسن منزلتـي وأكرمنـي وائتـمننـي، فلا أخونه. كما:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: { أحْسَنَ مَثْوَايَ } أمننـي علـى بـيته وأهله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { أحْسَنَ مَثْوَايَ } فلا أخونه فـي أهله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: { أحْسَنَ مَثْوَايَ } قال: يريد يوسف سيده زوج الـمرأة.

وقوله: { إنَّهُ لا يُفْلِـحُ الظَّالُـمِونَ } يقول: إنه لا يدرك البقاء، ولا ينـجح مَن ظلـم ففعل ما لـيس له فعله، وهذا الذي تدعونـي إلـيه من الفجور ظلـم وخيانة لسيدي الذي ائتـمننـي علـى منزله. كما:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: { إنَّهُ لا يُفْلِـحُ الظَّالُـمِونَ } قال: هذا الذي تدعونـي إلـيه ظلـم، ولا يفلـح من عمل به.