التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ
٤٢
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ
٤٣
-إبراهيم

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: { وَلاَ تَـحْسَبنَّ اللّهَ } يا مـحمد { غَافِلاً } ساهياً { عَمَّا يَعْمَلُ } هؤلاء الـمشركون من قومك، بل هو عالـم بهم وبأعمالهم مـحصيها علـيهم، لـيجزيهم جزاءهم فـي الـحين الذي قد سبق فـي علـمه أنه يجزيهم فـيه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا علـيّ بن ثابت، عن جعفر بن برَقان، عن ميـمون بن مِهران فـي قوله: { وَلا تَـحْسَبنَّ اللّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِـمُونَ } قال: هي وعيد للظالـم وتعزية للـمظلوم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إنَّـمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِـيَوْمٍ تَشْخصُ فِـيهِ الأبصار مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إلَـيْهِمْ طَرْفُهُمْ وأفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ }.

يقول تعالـى ذكره: إنـما يؤخر ربك يا مـحمد هؤلاء الظالـمين الذين يكذّبونك ويجحَدون نبوّتك، لـيوم تشخص فـيه الأبصار. يقول: إنـما يؤخِّر عقابَهم وإنزال العذاب بهم، إلـى يوم تشخَص فـيه أبصار الـخـلق وذلك يوم القـيامة، كما:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { لِـيَوْم تَشْخَصُ فِـيهِ الأبْصَارُ } شخصت فـيه والله أبصارهم، فلا ترتدّ إلـيهم.

وأما قوله: { مُهْطِعِينَ } فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي معناه فقال بعضهم: معناه: مسرعين. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن أبـي سعيد الـمؤدّب، عن سالـم، عن سعيد بن جبـير: { مُهْطِعِينَ } قال: النَّسَلان، وهو الـخبب أو ما دون الـخبب، شكّ أبو سعيد يخبون وهم ينظرون.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { مُهْطِعِينَ } قال: مسرعين.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { مُهْطِعِينَ } يقول: منطلقـين عامدين إلـى الداعي.

وقال آخرون: معنى ذلك: مديـمي النظر. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { مُهْطِعِينَ } يعنـي بـالإهطاع: النظر من غير أن يطرف.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن سعيد بن مسروق، عن أبـي الضحى: { مُهْطِعِينَ } قال: الإهطاع: التـحميج الدائم الذي لا يَطْرِف.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن مغيرة، عن أبـي الـخير بن تـميـم بن حَذْلَـم، عن أبـيه، فـي قوله: { مُهْطِعِينَ } قال: الإهطاع: التـحميج.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك: { مُهْطِعِينَ } قال: شدّة النظر الذي لا يطرف.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا عمرو، قال: أخبرنا هُشَيـم، عن جويبر، عن الضحاك، فـي قوله: { مُهْطِعِينَ } قال: شدة النظر فـي غير طَرْف.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { مُهْطِعِينَ } الإهطاع: شدة النظر فـي غير طَرْف.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء وحدثنـي الـحرث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { مُهْطِعِينَ } قال: مُديـمي النظر.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

وقال آخرون: معنى ذلك: لا يرفع رأسه. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { مُهْطِعِينَ } قال: الـمهطع الذي لا يرفع رأسه.

والإهطاع فـي كلام العرب بـمعنى الإسراع أشهر منه بـمعنى إدامة النظر، ومن الإهطاع بـمعنى الإسراع، قول الشاعر:

وبِـمُهْطِعٍ سُرُحٍ كأنَّ زِمامَهُفـي رأسِ جذْعٍ مِنْ أراك مُشَذَّبِ

وقول الآخر:

بـمُسْتَهْطعٍ رَسْلٍ كأنَّ جَدِيـلَهُبقَيْدُومِ رَعْنٍ مِنْ صَوَامٍ مُـمَنَّعِ

وقوله: { مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } يعنـي رافعي رؤوسهم. وإقناع الرأس: رفعه ومنه قول الشماخ:

يُبـاكِرْنَ العِضَاهَ بـمُقْنَعاتٍنَوَاجِذُهُنَّ كالـحَدَإِ الوَقـيعِ

يعنـي: أنهنّ يبـاكرن العضاه برؤوسهن مرفوعات إلـيها لتتناول منها، ومنه أيضاً قول الراجز:

أنْغَضَ نـحْوِي رأسَهْ وأقْنَعاكأنـمَا أبْصَرَ شَيْئاً أطْمَعا

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { مُقْنِعِي رُؤوسِهِمْ } قال: الإقناع: رفع رؤوسهم.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء، وقال الـحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: { مُقْنِعِي } قال: رافعيها.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، عن أبـي سعد، قال: قال الـحسن: وجوه الناس يوم القـيامة إلـى السماء لا ينظر أحد إلـى أحد.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن عثمان بن الأسود، أنه سمع مـجاهداً يقول فـي قوله: { مُهْطعينَ مُقْنِعِي رُؤوسِهمْ } قال: رافع رأسه هكذا، { لاَ يَرْتَدُّ إلَـيهمْ طَرْفُهُمْ }.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك، فـي قوله: { مُقْنِعِي رُؤوسِهمْ } قال: رافعي رؤوسهم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { مُقْنِعِي رُؤوسِهمْ } قال: الإقناعُ رفع رؤوسهم.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { مُقْنِعِي رُؤوسِهمْ } قال: الـمقنع الذي يرفع رأسه شاخصاً بصره لا يطرف.

حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: { مُقْنِعِي رُؤوسِهمْ } قال: رافعيها.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { مُقْنِعِي رُؤوسِهمْ } قال: الـمقنع الذي يرفع رأسه.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك: { مُقْنِعِي رُؤوسِهمْ } قال: رافعي رؤوسهم.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن أبـي سعيد، عن سالـم، عن سعيد: { مُقْنِعِي رُؤوسِهمْ } قال: رافعي رؤوسهم.

وقوله: { لا يَرْتَدُّ إلَـيْهِمْ طَرْفُهُمْ } يقول: لا ترجع إلـيهم لشدّة النظر أبصارهم. كما:

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: { لا يَرْتَدُّ إلَـيْهمْ طَرْفُهُمْ وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ } قال: شاخصة أبصارهم.

وقوله: { وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ } اختلف أهل التأويـل فـي تأويـله، فقال بعضهم: معناه: متـخرّقة لا تعي من الـخير شيئاً. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن مرّة، فـي قوله: { وأفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } قال: متـخرقة لا تعي شيئاً.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا مالك بن مغول، عن أبـي إسحاق، عن مرّة، بـمثل ذلك.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مرّة، مثله.

حدثنا مـحمد بن عمارة، قال: ثنا سهل بن عامر، قال: ثنا مالك وإسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مرّة، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن مرّة: { وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ } قال: متـخرقة لا تعي شيئاً من الـخير.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا يحيى بن عبـاد، قال: ثنا مالك، يعنـي ابن مغول، قال: سمعت أبـا إسحاق، عن مرّة إلاَّ أنه قال: لا تعي شيئاً. ولـم يقل من الـخير.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مرّة، مثله.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مالك بن مغول، وإسرائيـل عن أبـي إسحاق، عن مرّة: { وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ } قال أحدهما: خربة، وقال الآخر: متـخرقة لا تعي شيئاً.

حدثنـي مـحمد بن سعد قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: { وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ } قال: لـيس فـيها شيء من الـخير فهي كالـخربة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: لـيس من الـخير شيء فـي أفئدتهم، كقولك للبـيت الذي لـيس فـيه شيء إنـما هو هواء.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد فـي قوله: { وأفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } قال: الأفئدة: القلوب هواء كما قال الله، لـيس فـيها عقل ولا منفعة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن أبـي بكرة، عن أبـي صالـح: { وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ } قال: لـيس فـيها شيء من الـخير.

وقال آخرون: إنها لا تستقرّ فـي مكان تردّد فـي أجوافهم. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع وأحمد بن إسحاق، قالا: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن سالـم، عن سعيد: { وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ } قال: تـمور فـي أجوافهم، لـيس لها مكان تستقرّ فـيه.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا هاشم بن القاسم، عن أبـي سعيد، عن سالـم، عن سعيد بنـحوه.

وقال آخرون: معنى ذلك: أنها خرجت من أماكنها فنَشِبَت بـالـحلوق. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع وأحمد بن إسحاق، قالا: ثنا أبو أحمد الزبـيري، عن إسرائيـل، عن سعيد، عن مسروق عن أبـي الضحى: { وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ } قال: قد بلغت حناجرهم.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، فـي قوله: { وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ } قال: هواء لـيس فـيها شيء، خرجت من صدورهم فنشبت فـي حلوقهم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ } انتزعت حتـى صارت فـي حناجرهم لا تـخرج من أفواههم، ولا تعود إلـى أمكنتها.

وأولـى هذه الأقوال عندي بـالصواب فـي تأويـل ذلك قول من قال: معناه: أنها خالـية لـيس فـيها شيء من الـخير، ولا تعقل شيئاً وذلك أن العرب تسمي كلّ أجوف خاو: هواء ومنه قول حسَّان بن ثابت:

ألا أبْلِغْ أبـا سُفْـيانَ عَنّـيفأنْتَ مُـجَوَّفٌ نَـخِبٌ هَوَاءُ

ومنه قول الآخر:

وَلا تَكُ مِنْ أخْدانِ كُلّ يَراعةٍهَوَاءٍ كَسَقْبِ البـانِ جُوفٍ مَكاسِرُهْ