التفاسير

< >
عرض

وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ
١٦
-النحل

جامع البيان في تفسير القرآن

اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنّى بـالعلامات، فقال بعضهم: عُنـي بها معالـم الطرق بـالنهار. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: { وَعَلاماتٍ وبـالنَّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } يعنـي بـالعلامات: معالـم الطرق بـالنهار، وبـالنـجم هم يهتدون بـاللـيـل.

وقال آخرون: عُنـي بها النـجوم. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم: { وَعَلاماتٍ وبـالنَّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } قال: منها ما يكون علامات، ومنها ما يهتدون به.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: { وَعَلاماتٍ وبـالنَّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } قال: منها ما يكون علامة، ومنها ما يهتدي به.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا قبـيصة، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم، مثله.

قال: الـمثنى، قال: ثنا إسحاق خالف قبـيصة وكيعاً فـي الإسناد.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَعَلاماتٍ وبـالنَّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } والعلامات: النـجوم، وإن الله تبـارك وتعالـى إنـما خـلق هذه النـجوم لثلاث خصلات: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدي بها، وجعلها رجوماً للشياطين. فمن تعاطى فـيها غير ذلك، فَقَدَ رَأْيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلَّف ما لا علـم له به.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتاد: { وَعَلاماتٍ } قال النـجوم.

وقال آخرون: عُنـي بها الـجبـال. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبـي: { وَعَلاماتٍ } قال: الـجبـال.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله تعالـى ذكره عدّد علـى عبـاده من نعمه، إنعامَهُ علـيهم بـما جعل لهم من العلامات التـي يهتدون بها فـي مسالكهم وطرقهم التـي يسيرونها، ولـم يخصص بذلك بعض العلامات دون بعض، فكلّ علامة استدلّ بها الناس علـى طرقهم وفجاج سُبلهم فداخـل فـي قوله: { وَعَلاماتٍ }. والطرق الـمسبولة: الـموطوءة، علامة للناحية الـمقصودة، والـجبـال علامات يهتدي بهنّ إلـى قصد السبـيـل، وكذلك النـجوم بـاللـيـل. غير أن الذي هو أولـى بتأويـل الآية أن تكون العلامات من أدلة النهار، إذ كان الله قد فصل منها أدلة اللـيـل بقوله: { وبـالنَّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }. وإذا كان ذلك أشبه وأولـى بتأويـل الآية، فـالواجب أن يكون القول فـي ذلك ما قاله ابن عبـاس فـي الـخبر الذي رويناه عن عطية عنه، وهو أن العلامات معالـم الطرق وأماراتها التـي يهتدى بها إلـى الـمستقـيـم منها نهاراً، وأن يكون النـجم الذي يهتدى به لـيلاً هو الـجدي والفرقدان، لأن بها اهتداء السفر دون غيرها من النـجوم. فتأويـل الكلام إذن: وجعل لكم أيها الناس علامات تستدلون بها نهاراً علـى طرقكم فـي أسفـاركم. ونـجوماً تهتدون بها لـيلاً فـي سُبلكم.