التفاسير

< >
عرض

سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ
١
-الإسراء

جامع البيان في تفسير القرآن

قال أبو جعفر مـحمد بن جرير الطبري: يعنـي تعالـى ذكره بقوله تعالـى: { سُبْحانَ الَّذِي أسْرَى بعَبْدِه لَـيْلاً } تنزيها للذي أسرى بعبده وتبرئة له مـما يقول فـيه الـمشركون من أنَّ له من خـلقه شريكاً، وأن له صاحبة وولداً، وعلوًّا له وتعظيـماً عما أضافوه إلـيه، ونسبوه من جهالاتهم وخطأ أقوالهم.

وقد بـيَّنت فـيـما مضى قبل، أن قوله { سبحان } اسم وُضع موضع الـمصدر، فنصب لوقوعه موقعه بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وقد كان بعضهم يقول: نصب لأنه غير موصوف، وللعرب فـي التسبـيح أماكن تستعمله فـيها. فمنها الصلاة، كان كثـير من أهل التأويـل يتأوّلون قول الله: { { فَلَوْلا أنَّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبِّحِينَ } : فلولا أنه كان من الـمصلـين. ومنها الاستثناء، كان بعضهم يتأول قول الله تعالـى: ألَـمْ أقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ: لولا تستثنون، وزعم أن ذلك لغة لبعض أهل الـيـمن، ويستشهد لصحة تأويـله ذلك بقوله: { إذْ أقْسَمُوا لَـيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ } وَلا يَسْتَثْنُونَ قال: قَال أوْسَطُهمْ ألَـم أقُلْ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحونَ فذكرهم تركهم الاستثناء. ومنها النور، وكان بعضهم يتأوّل فـي الـخبر الذي رُوي عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلا ذلكَ لأَحْرَقَتْ سُبُحاتُ وَجْهِهِ ما أدْرَكَتْ مِنْ شَيْء" أنه عنى بقوله: سبحات وجهه: نور وجهه.

وبنحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله: { سُبْحانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ }، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلـحة، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن التسبـيح أن يقول الإنسان: سُبْحانَ الله، قال: "إنْزَاهُ اللّهِ عَنِ السُّوءِ" .

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا عبدة بن سلـيـمان، عن الـحسن بن صالـح، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: سبحان الله: قال: إئكاف لله. وقد ذكرنا من الآثار فـي ذلك ما فـيه الكفـاية فـيـما مضى من كتابنا هذا قبل. والإسراء والسُّرى: سير اللـيـل. فمن قال: أَسْرى، قال: يُسري إسراء ومن قال: سرى، قال: يَسري سُرَىً، كما قال الشاعر:

ولَـيْـلَةٍ ذَاتِ دُجًّى سَرَيْتُولَـمْ يَـلِتْنِـي عَنْ سُراها لَـيْتُ

ويروى: ذات ندى سَريْت.

ويعنـي بقوله:{ لَـيْلاً } من اللـيـل. وكذلك كان حُذيفة بن الـيـمان يقرؤها.

حدثنا أبو كريب، قال: سمعت أبـا بكر بن عياش ورجل يحدّث عنده بحديث حين أُسري بـالنبـيّ صلى الله عليه وسلم فقال له: "لا تـجيء بـمثل عاصم ولا زر" ، قال: قرأ حُذيفة: «سُبْحانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ اللَّـيْـلِ منَ الـمَسجِدِ الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى» وكذا قرأ عبد الله.

وأما قوله: مِنَ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ فإنه اختُلف فـيه وفـي معناه، فقال بعضهم: يعنـي من الـحرم، وقال: الـحرم كله مسجد. وقد بـيَّنا ذلك فـي غير موضع من كتابنا هذا. وقال: وقد ذُكر لنا أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم كان لـيـلة أُسري به إلـى الـمسجد الأقصى كان نائماً فـي بـيت أمّ هانىء ابنة أبـي طالب. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: ثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن السائب، عن أبـي صالـح بن بـاذام عن أمّ هانىء بنت أبـي طالب، فـي مسرى النبـيّ صلى الله عليه وسلم، أنها كانت تقول: ما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ وهو فـي بـيتـي نائم عندي تلك اللـيـلة، فصلـى العشاء الآخرة، ثم نام ونـمنا، فلـما كان قُبَـيـل الفجر، أهبَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلـما صلـى الصبح وصلـينا معه قال: "يا أُمَّ هانِىءٍ لَقَدْ صَلَّـيْتُ مَعَكُمُ العِشاءَ الآخِرَةِ كمَا رأيْتِ بهَذَا الوَادِي، ثُمَّ جِئْتُ بَـيْتَ الـمَقْدِسِ فَصَلَّـيْتُ فِـيهِ، ثُمَّ صَلَّـيْتُ صَلاةَ الغَدَاةِ مَعَكُمُ الآنَ كمَا تَرَيْنَ" .

وقال آخرون: بل أُسرى به من الـمسجد، وفـيه كان حين أسرى به. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا مـحمد بن جعفر بن عدي، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، وهو رجل من قومه قال: قال نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: "بَـيْنا أنا عِنْدَ البَـيْتِ بـينَ النائمِ والـيَقْظانِ، إذْ سَمِعْتُ قائلاً يَقُولُ، أحَدُ الثلاثَةِ، فأتِـيتُ بطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِـيها مِنْ ماءِ زَمْزَمَ، فَشَرَحَ صَدْرِي إلـى كَذَا وكَذَا قال قتادة: قلت: ما يعني به؟ قال: إلـى أسفل بطنه قال: فـاسْتَـخْرَجَ قَلْبِـي فغُسلَ بِـمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ أُعِيدَ مَكانَهُ، ثُمَّ حُشِيَ إيـمَاناً وَحِكْمَةً، ثُمَّ أتِـيتُ بِدَابَّةٍ أبْـيَض" ، وفـي رواية أخرى: "بِدَابَّة بَـيْضَاءَ يُقالُ لَهُ البُرَاقُ، فَوْقَ الـحِمارِ وَدُونَ البَغْلِ، يَقَعُ خَطْوُهُ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فحُمِلْتُ عَلَـيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقْنا حتـى أتَـيْنا إلـى بَـيْتِ الـمَقْدِسِ فَصَلَّـيْتُ فِـيِه بـالنَّبِـيِّـينَ والـمُرْسَلِـينَ إماما، ثُمَّ عُرِجَ بِـي إلـى السَّماءِ الدُّنْيا" ... فذكر الـحديث.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا خالد بن الـحرث، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك، يعنـي ابن صعصعة رجل من قومه، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم، نـحوه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة رجل من قومه، قال: قال نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر نـحوه.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: قال مـحمد بن إسحاق: ثنـي عمرو بن عبد الرحمن، عن الـحسن بن أبـي الـحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَـيْنا أنا نائمٌ فـي الـحِجْرِ جاءَنِـي جبْرِيـلُ فَهَمَزَنـي بِرجله، فجَلَسْتُ فَلَـمْ أرَ شَيْئا، فَعُدْتُ لِـمَضْجَعي، فجاءَنِـي الثَّانِـيَةَ فَهَمَزَنِـي بقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ فَلَـمْ أرَ شَيْئاً، فَعُدْتُ لِـمَضْجَعي، فجاءَنـي الثَّالِثَةَ فَهَمَزَنِـي بقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ، فَأخَذَ بعَضُدِي فَقُمْتُ مَعَهُ، فخَرَجَ بِـي إلـى بـابِ الـمَسْجدِ، فإذَا دَابَّةٌ بَـيْضَاءُ بـينَ الـحِمارِ والبَغْلِ، لَهُ فِـي فَخِذَيْهِ جَناحان يَحْفِزُ بِهما رِجْلَـيْهِ، يَضَعُ يَدَهُ فِـي مُنْتَهَى طَرْفهِ، فحَمَلَنـي عَلَـيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مَعي، لا يَفُوتُنـي وَلا أفُوتُهُ" .

حدثنا الربـيع بن سلـيـمان، قال: أخبرنا ابن وهب، عن سلـيـمان بن بلال، عن شريك بن أبـي نـمر، قال: سمعت أنساً يحدثنا عن لـيـلة الـمسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إلـيه وهو نائم فـي الـمسجد الـحرام، فقال أوّلهم: أيهم هو؟ قال أوسطهم: هو خيرهم، فقال أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك فلـم يرهم حتـى جاءوا لـيـلة أخرى فـيـما يرى ثلاثة والنبـيّ صلى الله عليه وسلم تنام عيناه، ولا ينام قلبه. وكذلك الأنبـياء تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم فلـم يكلـموه حتـى احتـملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبرئيـل علـيه السلام، فشقّ ما بـين نـحره إلـى لبَّته، حتـى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم حتـى أنقـى جوفه، ثم أُتـي بطست من ذهب فـيه تَوْرٌ مـحشوّ إيـماناً وحكمة، فحشا به جوفه وصدره ولغاديده، ثم أطبقه ثم ركب البراق، فسار حتـى أتـى به إلـى بـيت الـمقدس فصلـى فـيه بـالنَّبـيـين والـمرسلـين إماما، ثم عرج به إلـى السماء الدنـيا، فضرب بـابـاً من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ قال: هذا جبرائيـل، قـيـل: من معك؟ قال: مـحمد، قـيـل: أَوَ قَد بُعث إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبـا به وأهلاً، يستبشر به أهل السماء، لا يعلـم أهل السماء بـما يريد الله بأهل الأرض حتـى يُعلـمهم، فوجد فـي السماء الدنـيا آدم، فقال له جبرائيـل: هذا أبوك، فسلَّـم علـيه، فردّ علـيه، فقال: مرحبـاً بك وأهلاً يا بنـي، فنعم الابن أنت، ثم مضى به إلـى السماء الثانـية، فـاستفتـح جبرائيـل بـابـاً من أبوابها، فقـيـل: من هذا؟ فقال: جبرئيـل، قـيـل: ومن معك؟ قال: مـحمد، قـيـل: أو قد أرسل إلـيه؟ قال: نعم قد أُرسل إلـيه، فقـيـل: مرحبـا به وأهلاً، ففُتـح لهما فلـما صعد فـيها فإذا هو بنهرين يجريان، فقال: ما هذان النهران يا جبرائيـل؟ قال: هذا النـيـل والفرات عنصرهما ثم عرج به إلـى السماء الثالثة، فـاستفتـح جبرائيـل بـابـاً من أبوابها، فقـيـل: من هذا؟ قال: جبرئيـل، قـيـل: ومن معك؟ قال: مـحمد، قـيـل: أَوَ قَد بُعث إلـيه؟ قال: نعم قد بُعث إلـيه، قـيـل: مرحبـاً به وأهلاً، ففُتـح له فإذا هو بنهر علـيه قبـاب وقصور من لؤلؤ وزبرجد وياقوت، وغير ذلك مـما لا يعلـمه إلاَّ الله، فذهب يشمّ ترابه، فإذا هو مسك أذفر، فقال: يا جبرائيـل ما هذا النهر؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك فـي الآخرة ثم عرج به إلـى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلـى الـخامسة، فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلـى السادسة، فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلـى السابعة، فقالوا له مثل ذلك، وكلّ سماء فـيها أنبـياء قد سماهم أنس، فوعيت منهم إدريس فـي الثانـية، وهارون فـي الرابعة، وآخر فـي الـخامسة لـم أحفظ اسمه، وإبراهيـم فـي السادسة، وموسى فـي السابعة بتفضيـل كلامه الله، فقال موسى: لـم أظنّ أن يرفع علـيَّ أحد ثم علا به فوق ذلك بـما لا يعلـمه إلاَّ الله، حتـى جاء سدرة الـمنتهى، ودنا الـجبَّـار ربّ العزّة، فتدلـى فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلـى عبده ما شاء، وأوحى الله فـيـما أوحى خمسين صلاة علـى أمته كل يوم ولـيـلة، ثم هبط حتـى بلغ موسى فـاحتبسه، فقال: يا مـحمد ماذا عهد إلـيك ربك؟ قال: "عهد إلـيّ خمسين صلاة علـى أمتـي كل يوم ولـيـلة" قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فـارجع فلـيخفف عنك وعنهم، فـالتفتّ إلـى جبرائيـل كأنه يستشيره فـي ذلك، فأشار إلـيه أن نعم، فعاد به جبرائيـل حتـى أتـى الـجبَّـارَ عزَّ وجلّ وهو مكانه، فقال: "ربّ خفف عنا، فإن أمتـي لا تستطيع هذا" فوضع عنه عشر صلوات ثم رجع إلـى موسى علـيه السلام فـاحتبسه، فلـم يزل يردّده موسى إلـى ربه حتـى صارت إلـى خمس صلوات، ثم احتبسه عند الـخمس، فقال: يا مـحمد قد والله راودتُ بنـي إسرائيـل علـى أدنى من هذه الـخمس، فضعفوا وتركوه، فأمتك أضعف أجساداً وقلوبـاً وأبصاراً وأسماعاً، فـارجع فلـيخفف عنك ربك، كلّ ذلك يـلتفت إلـى جبرئيـل لـيشير علـيه، ولا يكره ذلك جبرئيـل، فرفعه عند الـخمس، فقال: "يا ربّ إن أمتـي ضعاف أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم، فخفف عنا" قال الـجبَّـار جلّ جلاله: يا مـحمد، قال: لبَّـيك وسعديك، فقال: إنـي لا يُبدّل القول لديّ كما كتبت علـيك فـي أمّ الكتاب، ولك بكلّ حسنة عشر أمثالها، وهي خمسون فـي أمّ الكتاب، وهي خمس علـيك فرجع إلـى موسى، فقال: كيف فعلت؟ فقال: "خفَّف عنـي، أعطانا بكلّ حسنة عشر أمثالها" قال: قد والله راودت بنـي إسرائيـل علـى أدنى من هذا فتركوه فـارجع فلـيخفف عنك أيضاً، قال: "يا موسى قد والله استـحيـيت من ربـي مـما أختلف إلـيه" قال: فـاهبط بـاسم الله، فـاستـيقظ وهو فـي الـمسجد الـحرام.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، أن يقال: إن الله عزّ وجلّ أخبر أنه أسرى بعبده من الـمسجد الـحرام، والـمسجد الـحرام هو الذي يتعارفه الناس بـينهم إذا ذكروه، وقوله:{ إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى } يعنـي: مسجد بـيت الـمقدس، وقـيـل له: الأقصى، لأنه أبعد الـمساجد التـي تزار، ويُبتَغى فـي زيارته الفضل بعد الـمسجد الـحرام. فتأويـل الكلام تنزيها لله، وتبرئة له مـما نـحله الـمشركون من الإشراك والأنداد والصاحبة، وما يجلّ عنه جلّ جلاله، الذي سار بعبده لـيلاً من بـيته الـحرام إلـى بـيته الأقصى.

ثم اختلف أهل العلـم فـي صفة إسراء الله تبـارك وتعالـى بنبـيه صلى الله عليه وسلم من الـمسجد الـحرام إلـى الـمسجد الأقصى، فقال بعضهم: أسرى الله بجسده، فسار به لـيلاً علـى البُراق من بـيته الـحرام إلـى بـيته الأقصى حتـى أتاه، فأراه ما شاء أن يريه من عجائب أمره وعبره وعظيـم سُلطانه، فجمعت له به الأنبـياء، فصلـى بهم هُنالك، وعَرج به إلـى السماء حتـى صعد به فوق السموات السبع، وأوحى إلـيه هنالك ما شاء أن يوحي ثم رجع إلـى الـمسجد الـحرام من لـيـلته، فصلـى به صلاة الصبح. ذكر من قال ذلك، وذكر بعض الروايات التـي رُويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصحيحه:

حدثنا يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: أخبرنـي ابن الـمسيب وأبو سلـمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسري به علـى البُراق، وهي دابَّة إبراهيـم التـي كان يزور علـيها البـيت الـحرام، يقع حافرها موضع طرفها، قال: فمرّت بعير من عيرات قريش بواد من تلك الأودية، فنفرت العير، وفـيها بعير علـيه غرارتان: سوداء، وزرقاء، حتـى أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيـلـياء فأتـى بقدحين: قدح خمر، وقدح لبن، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح اللبن، فقال له جبرئيـل: هُديت إلـى الفطرة، لو أخذت قدح الـخمر غوت أمتك. قال ابن شهاب: فأخبرنـي ابن الـمسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقـي هناك إبراهيـم وموسى وعيسى، فنعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "فأمَّا مُوسَى فَضَرْبٌ رَجْلُ الرأسِ كأنَّهُ مِنْ رِجالِ شَنُوءَةَ، وأمَّا عِيسَى فَرَجْلٌ أحْمَرُ كأنَّـمَا خَرَجَ مِنْ دِيـمَاسٍ، فأشْبَهُ مَنْ رأيْتُ بِهِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودِ الثَّقَـفِـيُّ وأمَّا إبْرَاهِيـمُ فأنا أشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ" فلـما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدّث قريشاً أنه أُسري به. قال عبد الله: فـارتدّ ناس كثـير بعد ما أسلـموا، قال أبو سلـمة: فأتـى أبو بكر الصدّيق، فقـيـل له: هل لك فـي صاحبك، يزعم أنه أسري به إلـى بـيت الـمقدس ثم رجع فـي لـيـلة واحدة، قال أبو بكر: أَوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فأشهد إن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أفتشهد أنه جاء الشام فـي لـيـلة واحدة؟ قال: إنـي أصدّقه بأبعد من ذلك، أصدّقه بخبر السماء. قال أبو سلـمة: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَـمَّا كَذَّبَتْنِـي قُرَيْشٌ قُمْتُ فَمَثَّلَ اللّهُ لـي بَـيْتَ الـمَقْدِسِ، فَطَفِقُت أُخْبرُهُمْ عَنْ آياتِه وأنا أنْظُرُ إلَـيْهِ" .

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن أبـيه، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبـي وقاص، عن أنس بن مالك، قال: لـما جاء جبرائيـل علـيه السلام بـالبراق إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنها ضربت بذنبها، فقال لها جبرئيـل: مه يا براق، فوالله إن ركبك مثله فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو بعجوز ناء عن الطريق: أي علـى جنب الطريق.

قال أو جعفر: ينبغي أن يقال: نائية، ولكن أسقط منها التأنـيث.

فقال: "ما هذه يا جبرائيـل" قال: سر يا مـحمد، فسار ما شاء الله أن يسير، فإذا شيء يدعوه متنـحياً عن الطريق يقول: هلـمّ يا مـحمد، قال جبرائيـل: سر يا مـحمد، فسار ما شاء الله أن يسير قال: ثم لقـيه خـلق من الـخلائق، فقال أحدهم: السلام علـيك يا أوّل، والسلام علـيك يا آخر، والسلام علـيك يا حاشر، فقال له جبرائيـل: اردد السلام يا مـحمد، قال: فردّ السلام ثم لقـيه الثانـي، فقال له مثل مقالة الأوّلـين حتـى انتهى إلـى بـيت الـمقدس، فعرض علـيه الـماء واللبن والـخمر، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن، فقال له جبرائيـل: أصبت يا مـحمد الفطرة، ولو شربت الـماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الـخمر لغويت وغوت أمتك. ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبـياء، فأمَّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك اللـيـلة، ثم قال له جبرائيـل: أما العجوز التـي رأيت علـى جانب الطريق، فلـم يبق من الدنـيا إلاَّ بقدر ما بقـي من عمر تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تـميـل إلـيه، فذاك عدوّ الله إبلـيس، أراد أن تـميـل إلـيه وأما الذين سلَّـموا علـيك، فذاك إبراهيـم وموسى وعيسى.

حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: ثنا حجاج، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية الرياحي، عن أبـي هريرة أو غيره شك أبو جعفر فـي قول الله عزّ وجلّ: { سُبْحانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَـيْلاً مِنَ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بـارَكْنا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إنَّهُ هُوَ السَّميع البَصِيرُ } قال: جاء جبرائيـل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم ومعه ميكائيـل، فقال جبرائيـل لـميكائيـل: ائتنـي بطست من ماء زمزم كيـما أطهر قلبه، وأشرح له صدره، قال: فشقّ عن بطنه، فغسله ثلاث مرّات، واختلف إلـيه ميكائيـل بثلاث طسات من ماء زمزم، فشرح صدره، ونزع ما كان فـيه من غلّ، وملأه حلـماً وعلـماً وإيـماناً ويقـيناً وإسلاماً، وختـم بـين كتفـيه بخاتـم النبوّة، ثم أتاه بفرس فحمل علـيه كلّ خطوة منه منتهى طرفه وأقصى بصره. قال: فسار وسار معه جبرائيـل علـيه السلام، فأتـى علـى قوم يزرعون فـي يوم ويحصدون فـي يوم، كلـما حصدوا عاد كما كان، فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: «يا جبْرائيـلُ ما هَذَا» قال: هؤلاء الـمـجاهدون فـي سبـيـل الله، تُضاعف لهم الـحسنة بسبع مئة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخـلفه وهو خير الرازقـين ثم أتـى علـى قوم تُرضخ رؤوسهم بـالصخر، كلـما رضخت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال: «ما هؤلاء يا جَبرائِيـل» قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة الـمكتوبة ثم أتـى علـى قوم علـى أقبـالهم رقاع، وعلـى أدبـارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الإبل والغنـم، ويأكلون الضريع والزقُّوم ورضف جهنـم وحجارتها، قال: «ما هَؤُلاء يا جَبْرِائيـلُ» قال: هؤلاء الذين لا يؤدّون صدقات أموالهم، وما ظلـمهم الله شيئاً، وما الله بظلام للعبـيد ثم أتـى علـى قوم بـين أيديهم لـحم نضيج فـي قدور، ولـحم آخر نـيء قذر خبـيث، فجعلوا يأكلون من النـيء، ويدعَون النضيج الطيِّب، فقال: «ما هَؤُلاء يا جَبْرَئِيـلُ» قال: هذا الرجل من أمتك، تكون عنده الـمرأة الـحلال الطيِّب، فـيأتـي امرأة خبـيثة فـيبـيت عندها حتـى يصبح، والـمرأة تقوم من عند زوجها حلالاً طيبـاً، فتأتـي رجلاً خبـيثا، فتبـيت معه حتـى تصبح. قال: ثم أتـى علـى خشبة فـي الطريق لا يـمرّ بها ثوب إلاَّ شقَّته، ولا شيء إلاَّ خرقته، قال: «ما هَذَا يا جَبْرٰئِيـلُ» قال: هذا مثَل أقوام من أمتك يقعدون علـى الطريق فـيقطعونه. ثم قرأ: { { وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ } ... الآية. ثم أتـى علـى رجل قد جمع حزمة حطب عظيـمة لا يستطيع حملها، وهو يزيد علـيها، فقال: «ما هذا يا جَبْرائِيـلُ» قال: هذا الرجل من أمتك تكون عنده أمانات الناس لا يقدر علـى أدائها، وهو يزيد علـيها، ويريد أن يحملها، فلا يستطيع ذلك ثم أتـى علـى قوم تقرض ألسنتهم وشفـاههم بـمقاريض من حديد، كلـما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: «ما هؤلاء يا جَبْرَئِيـلُ» فقال: هؤلاء خطبـاء أمتك خطبـاء الفتنة يقولون ما لا يفعلون ثم أتـى علـى جحر صغير يخرج منه ثور عظيـم، فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: «ما هَذَا يا جَبْرَئِيـلُ» قال: هذا الرجل يتكلـم بـالكلـمة العظيـمة، ثم يندم علـيها، فلا يستطيع أن يردّها ثم أتـى علـى واد، فوجد ريحاً طيبة بـاردة، وفـيه ريح الـمسك، وسمع صوتا، فقال: "يا جَبْرائِيـلُ ما هَذِهِ الرّيحُ الطَّيِّبَةُ البـارِدَةُ وَهذِهِ الرَّائحَةُ الَّتـي كَرِيحِ الـمسْكِ، وَما هَذَا الصَّوْتُ" قال: هذا صوت الـجنة تقول: يا ربّ آتنـي ما وعدتنـي، فقد كثرت غرفـي واستبرقـي وحريري وسندسي وعبقري، ولؤلؤي ومرجانـي، وفضتـي وذهبـي، وأكوابـي وصحافـي وأبـاريقـي، وفواكهي ونـخـلـي ورمانـي، ولبنـي وخمري، فآتنـي ما وعدتنـي، فقال: لكِ كلّ مسلـم ومسلـمة، ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بـي وبرسلـي، وعمل صالـحاً ولـم يُشرك بـي، ولـم يتـخذ من دونـي أنداداً، ومن خشينـي فهو آمن، ومن سألنـي أعطيته، ومن أقرضنـي جزيته، ومن توكَّل علـيّ كفـيته، إنـي أنا الله لا إله إلاَّ أنا لا أخـلف الـميعاد، وقد أفلـح الـمؤمنون، وتبـارك الله أحسن الـخالقـين، قالت: قد رضيت ثم أتـى علـى واد فسمع صوتاً منكراً، ووجد ريحاً منتنة، فقال: "ما هَذِهِ الرّيحُ يا جَبْرَئيـلُ وَما هَذَا الصَّوْتُ" قال: هذا صوت جهنـم، تقول: يا ربّ آتنـي ما وعدتنـي، فقد كثرت سلاسلـي وأغلالـي، وسعيري وجحيـمي، وضريعي وغسَّاقـي، وعذابـي وعقابـي، وقد بعُد قعري واشتدّ حرّي، فآتنـي ما وعدتنـي، قال: لك كلّ مشرك ومشركة، وكافر وكافرة، وكلّ خبـيث وخبـيثة، وكلّ جبَّـار لا يؤمن بـيوم الـحساب، قالت: قد رضيت قال: ثم سار حتـى أتـى بـيت الـمقدس، فنزل فربط فرسه إلـى صخرة، ثم دخـل فصلـى مع الـملائكة فلـما قُضيت الصلاة. قالوا: يا جبرئيـل من هذا معك؟ قال: مـحمد، فقالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء قال: ثم لقـي أرواح الأنبـياء فأثنوا علـى ربهم، فقال إبراهيـم: الـحمد لله الذي اتـخذنـي خـلـيلاً وأعطانـي ملكاً عظيـماً، وجعلنـي أمَّة قانتاً لله يؤتـمّ بـي، وأنقذنـي من النار، وجعلها علـيّ برداً وسلاماً ثم إن موسى أثنى علـى ربه فقال: الـحمد لله الذي كلَّـمنـي تكلـيـما، وجعل هلاك آل فرعون ونـجاة بنـي إسرائيـل علـى يدي، وجعل من أمتـي قوما يهدون بـالـحقّ وبه يعدلون ثم إن داود علـيه السلام أثنى علـى ربه، فقال: الـحمد لله الذي جعل لـي ملكاً عظيـماً وعلَّـمنـي الزّبور، وألان لـي الـحديد، وسخَّر لـي الـجبـال يسبحن والطير، وأعطانـي الـحكمة وفصل الـخطاب ثم إن سلـيـمان أثنى علـى ربه، فقال: الـحمد لله الذي سخَّر لـي الرياح، وسخَّر لـي الشياطين، يعملون لـي ما شئت من مـحاريب وتـماثـيـل وجفـان كالـجواب، وقدور راسيات، وعلَّـمنـي منطق الطير، وآتانـي من كلّ شيء فضلاً، وسخَّر لـي جنود الشياطين والإنس والطير، وفضَّلنـي علـى كثـير من عبـاده الـمؤمنـين، وآتانـي ملكاً عظيـماً لا ينبغي لأحد من بعدي، وجعل ملكي ملكاً طيبـاً لـيس علـيّ فـيه حساب ثم إن عيسى علـيه السلام أثنى علـى ربه، فقال: الـحمد لله الذي جعلنـي كلـمته وجعل مثلـي مثل آدم خـلقه من تراب، ثم قال له: كن فـيكون، وعلـمنـي الكتاب والـحكمة والتوراة والإنـجيـل، وجعلنـي أخـلق من الطين كهيئة الطير، فأنفخ فـيه، فـيكون طيراً بإذن الله، وجعلنـي أبرىء الأكمة والأبرص، وأحيـي الـموتـى بإذن الله، ورفعنـي وطهرنـي، وأعاذنـي وأمي من الشيطان الرجيـم، فلـم يكن للشيطان علـينا سبـيـل قال: ثم إن مـحمداً صلى الله عليه وسلم أثنى علـى ربه، فقال: "كُلُّكُمْ أثْنَى عَلـى رَبِّهِ، وأنا مُثْنٍ عَلـى رَبّـي" ، فقال: "الـحَمْدُ لِلّهِ الذِي أرْسَلَنِـي رَحْمَةً للعالَـمِينَ، وكافةً للناس بَشِيراً وَنَذِيراً، وأنْزَلَ عَلـيَّ الفُرقَانَ فِـيه تِبْـيانُ كُلّ شَيْءٍ، وَجَعَلَ أُمَّتـي خَيْرَ أُمةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ، وَجَعَلَ أُمَّتِـي وَسَطا، وَجَعَلَ أُمَّتِـي هُمُ الأوَّلُونَ وَهُمُ الآخِرُونَ، وَشَرَحَ لـي صَدْري، وَوَضَعَ عَنـي وِزْرِي وَرَفَعَ لـي ذِكْرِي، وَجَعَلَنـي فـاتـحاً خاتِـماً" قال إبراهيم: بهذا فضلكم مـحمد. قال: أبو جعفر: وهو الرازي: خاتـم النبوّة، وفـاتـح بـالشفـاعة يوم القـيامة ثم أتـى إلـيه بآنـية ثلاثة مغطاة أفواهها، فأتـى بإناء منها فـيه ماء، فقـيـل: اشرب، فشرب منه يسيرا ثم دفع إلـيه إناء آخر فـيه لبن، فقـيـل له: اشرب، فشرب منه حتـى روى ثم دفع إلـيه إناء آخر فـيه خمر، فقـيـل له: اشرب، فقال: "لا أريده قد رويت" فقال له جبرئيـل صلى الله عليه وسلم: أما إنها سَتُـحَرّم علـى أمتك، ولو شربت منها لـم يتبعك من أمتك إلاَّ القلـيـل، ثم عَرَج به إلـى سماء الدنـيا، فـاستفتـح جبرائيـل بـابـاً من أبوابها، فقـيـل: من هذا؟ قال: جبرائيـل، قـيـل: ومن معك؟ فقال: مـحمد، قالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه، قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء فدخـل فإذا هو برجل تامّ الـخـلق لـم ينقص من خـلقه شيء، كما ينقص من خـلق الناس، علـى يـمينه بـاب يخرج منه ريح طيبة، وعن شماله بـاب يخرج منه ريح خبـيثة، إذا نظر إلـى البـاب الذي عن يـمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر إلـى البـاب الذي عن شماله بكى وحزن، فقلت: "يا جَبْرَئِيـلَ مَنْ هَذَا الشَّيْخُ التَّامُ الـخَـلْقِ الَّذِي لَـمْ يَنْقُصْ مِنْ خَـلْقِهِ شَيْءٌ، وَما هَذَانِ البـابـان" قال: هذا أبوك آدم، وهذا البـاب الذي عن يـمينه بـاب الـجنة، إذا نظر إلـى من يدخـله من ذرّيته ضحك واستبشر، والبـاب الذي عن شماله بـاب جهنـم، إذا نظر إلـى من يدخـله من ذرّيته بكى وحزن ثم صعد به جبرئيـل صلى الله عليه وسلم إلـى السماء الثانـية فـاستفتـح، فقـيـل: من هذا؟ قال: جبرائيـل، قـيـل: ومن معك؟ قال: مـحمد رسول الله، فقالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء، قال: فإذا هو بشابـين، فقال: "يا جَبْرَئِيـلُ مَنْ هَذَانِ الشابَّـانِ" قال: هذا عيسى ابن مريـم، ويحيى بن زكريا ابنا الـخالة، قال: فصعد به إلـى السماء الثالثة، فـاستفتـح، فقالوا: من هذا؟ قال: جبرائيـل، قالوا: ومن معك؟ قال: مـحمد، قالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء، قال: فدخـل فإذا هو برجل قد فَضَل علـى الناس كلهم فـي الـحُسن، كما فُضّل القمرُ لـيـلة البدر علـى سائر الكواكب، قال: "مَنْ هَذَا يا جِبْرائِيـلُ الَّذِي فَضَلَ علـى النَّاسِ فـي الـحُسْن" قال: هذا أخوك يوسف ثم صعد به إلـى السماء الرابعة، فـاستفتـح، فقـيـل: من هذا؟ قال جبرائيـل، قالوا: ومن معك؟ قال: مـحمد، قالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء قال: فدخـل، فإذا هو برجل، قال: «مَنْ هَذَا يا جَبْرَئيـلُ» قال: هذا إدريس رفعه الله مكاناً علـيًّا. ثم صعد به إلـى السماء الـخامسة، فـاستفتـح جبرائيـل، فقالوا: من هذا؟ فقال: جبرائيـل، قالوا: ومن معك؟ قال: مـحمد، قالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء ثم دخـل فإذا هو برجل جالس وحوله قوم يقصّ علـيهم، قال: «مَنْ هَذَا يا جَبْرَئِيـلُ وَمَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ حَوْلَهُ؟» قال: هذا هارون الـمـحبب فـي قومه، وهؤلاء بنو إسرائيـل ثم صعد به إلـى السماء السادسة، فـاستفتـح جبرائيـل، فقـيـل له: من هذا؟ قال: جبرائيـل، قالوا: ومن معك؟ قال: مـحمد، قالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء فإذا هو برجل جالس، فجاوزه، فبكى الرجل، فقال: «يا جَبْرائِيـلُ مَنْ هَذَا» قال: موسى، قال: «فَمَا بـالُهُ يَبْكي» قال: تزعم بنو إسرائيـل أنـي أكرم بنـي آدم علـى الله، وهذا رجل من بنـي آدم قد خـلفنـي فـي دنـيا، وأنا فـي أخرى، فلو أنه بنفسه لـم أبـال، ولكن مع كلّ نبـيّ أمته ثم صَعَد به إلـى السماء السابعة، فـاستفتـح جبرائيـل، فقـيـل: من هذا؟ قال: جبرائيـل، قالوا: ومن معك؟ قال: مـحمد، قالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء، قال: فدخـل فإذا هو برجل أشمط جالس عند بـاب الـجنة علـى كرسي، وعنده قوم جلوسٍ بـيض الوجوه، أمثال القراطيس، وقوم فـي ألوانهم شيء، فقام هؤلاء الذين فـي ألوانهم شيء، فدخـلوا نهرا فـاغتسلوا فـيه، فخرجوا وقد خـلص من ألوانهم شيء، ثم دخـلوا نهرا آخر، فـاغتسلوا فـيه، فخرجوا وقد خـلص من ألوانهم شيء، ثم دخـلوا نهرا آخر فـاغتسلو فـيه، فخرجوا وقد خـلص من ألوانهم شيء، فصارت مثل ألوان أصحابهم، فجاءوا فجلسوا إلـى أصحابهم، فقال: "يا جَبْرَئِيـلُ مَنْ هَذَا الأشْمَطُ، ثُمَّ مَنْ هَؤُلاءِ البِـيضُ وُجُوهُهُمْ، وَمَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ فـي ألْوَانِهِمْ شَيْءٌ، وَما هَذِهِ الأنهَارُ الَّتـي دَخَـلُوا، فَجَاءُوا وَقَدْ صَفَتْ ألْوَانُهُمْ" قال: هذا أبوك إبراهيـم أوّل من شَمِط علـى الأرض، وأما هؤلاء البـيض الوجوه: فقوم لـم يُـلْبِسوا إيـمانهم بظلـم، وأما هؤلاء الذين فـي ألوانهم شيء، فقوم خـلطوا عملاً صالـحاً وآخر شيئاً، فتابوا، فتاب الله علـيهم، وأما الأنهار: فأولها رحمة الله، وثانـيها: نعمة الله، والثالث: سقاهم ربهم شرابـاً طهوراً قال: ثم انتهى إلـى السِّدرة، فقـيـل له: هذه السدرة ينتهي إلـيها كلّ أحد خلا من أمتك علـى سنتك، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لـم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذّة للشاربـين، وأنهار من عسل مصفًّـى، وهي شجرة يسير الراكب فـي ظلِّها سبعين عاماً لا يقطعها، والورقة منها مغطية للأمة كلها، قال: فغشيها نور الـخلاّق عزّ وجلّ، وغشيتها الـملائكة أمثال الغربـان حين يقعن علـى الشجرة، قال: فكلـمه عند ذلك، فقال له: سل، فقال: "اتـخذتَ إبراهيـم خـلـيلاً، وأعطيته مُلكاً عظيـماً، وكلـمت موسى تكلـيـماً، وأعطيت داود ملكاً عظيـماً، وألنت له الـحديد، وسخرت له الـجبـال، وأعطيت سلـيـمان ملكاً عظيـماً، وسخرت له الـجنّ والإنس والشياطين، وسخرت له الرياح، وأعطيته ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وعلَّـمت عيسى التوراة والإنـجيـل، وجعلته يبرىء الأكمه والأبرص، ويحيـي الـموتـى بإذن الله، وأعذته وأمه من الشيطان الرجيـم، فلـم يكن للشيطان علـيهما سبـيـل" . فقال له ربه: قد اتـخذتك حبـيبـاً وخـلـيلاً، وهو مكتوب فـي التوراة: حبـيب الله وأرسلتك إلـى الناس كافَّة بشيراً ونذيراً، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلاَّ ذكرت معي، وجعلت أمتك أمة وسطاً، وجعلت أمتك هم الأوّلون والآخرون، وجعلت أمتك لا تـجوز لهم خطبة، حتـى يشهدوا أنك عبدي ورسولـي، وجعلت من أمتك أقواماً قلوبهم أناجيـلهم، وجعلتك أوّل النَّبـيـين خَـلْقاً، وآخرهم بَعْثاً، وأوّلَهم من يُقْضَى له، وأعطيتك سبعاً من الـمثانـي، لـم يُعطها نبـيّ قبلك، وأعطيتك الكوثر، وأعطيتك ثمانـية أسهم الإسلام والهجرة، والـجهاد، والصدقة، والصلاة، وصوم رمضان، والأمر بـالـمعروف، والنهي عن الـمنكر، وجعلتك فـاتـحاً وخاتـماً، فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: "فضَّلَنِـي رَبّي بسِتّ: أعْطانِـي فَوَاتِـحَ الكَلِـمِ وَخَوَاتِـيـمَهُ، وَجَوَامِعَ الـحَدِيثِ، وأرْسَلَنِـي إلـى النَّاسِ كافَّةً بَشِيراً وَنَذِيراً، وَقَذَفَ فِـي قُلُوبِ عَدُوّي الرُعْبَ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وأُحِلَّتْ لـيَ الغَنائمُ ولَـمْ تَـحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِـي، وجُعِلَتْ لـي الأرْضُ كُلُّها طَهُوراً وَمَسْجِداً، قال: وَفَرَضَ عَلـيَّ خَمْسِينَ صَلاةٍ" فلـما رجع إلـى موسى، قال: بِـم أُمرت يا مـحمد، قال: "بخَمْسِينَ صَلاةً" ، قال: ارجع إلـى ربك فـاسأله التَّـخفـيف، فإن أمتك أضعف الأمـم، فقد لقـيت من بنـي إسرائيـل شدّة، قال: فرجع النبـيّ صلى الله عليه وسلم إلـى ربه فسأله التـخفـيف، فوضع عنه عشراً، ثم رجع إلـى موسى، فقال: بكم أُمرت؟ قال: "بأرْبَعِينَ" ، قال: ارجع إلـى ربك فـاسأله التـخفـيف، فإن أمتك أضعف الأمـم، وقد لقـيتُ من بنـي إسرائيـل شدّة، قال: فرجع إلـى ربه، فسأله التـخفـيف، فوضع عنه عشراً، فرجع إلـى موسى، فقال: بكم أُمرت؟ قال: "أُمِرْتُ بِثَلاثِـينَ" ، فقال له موسى: ارجع إلـى ربك فـاسأله التـخفـيف، فإن أمتك أضعف الأمـم، وقد لقـيت من بنـي إسرائيـل شدّة، قال: فرجع إلـى ربه فسأله التـخفـيف، فوضع عنه عشراً، فرجع إلـى موسى فقال: بكم أمرت؟ قال: "بعشرين" ، قال: ارجع إلـى ربك فـاسأله التـخفـيف، فإن أمتك أضعف الأمـم، وقد لقـيت من بنـي إسرائيـل شدة، قال: فرجع إلـى ربه فسأله التـخفـيف، فوضع عنه عشراً، فرجع إلـى موسى، فقال: لكم أمرت؟ قال: قال: ارجع إلـى ربك فـاسأله التـخفـيف، فإن أمتك أضعف الأمـم، وقد لقـيت من بنـي إسرائيـل شدّة، قال: فرجع علـى حياء إلـى ربه فسأله التـخفـيف، فوضع عنه خمساً، فرجع إلـى موسى، فقال: بكم أمرت؟ قال: "بخمس" ، قال: ارجع إلـى ربك فـاسأله التـخفـيف، فإن أمتك أضعف الأمـم، وقد لقـيتُ من بنـي إسرائيـل شدّة، قال: "قَدْ رَجَعْتُ إلـى رَبّـي حتـى اسْتَـحْيَـيْت فَمَا أنا رَاجِعٌ إلَـيْهِ" ، فقـيـل له: أما إنك كما صبرت نفسك علـى خمس صلوات فإنهنّ يجزين عنك خمسين صلاة، فإن كلّ حسنة بعشر أمثالها، قال: فرضي مـحمد صلى الله عليه وسلم كلّ الرضا، فكان موسى أشدّهم علـيه حين مرّ به، وخيرهم له حين رجع إلـيه.

حدثنـي مـحمد بن عبـيد الله، قال: أخبرنا أبو النضر هاشم بن القاسم، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية أو غيره شكّ أبو جعفر عن أبـي هريرة فـي قوله: { سُبْحانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِه }... إلـى قوله: { إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } قال: جاء جبرائيـل إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر نـحو حديث علـيّ بن سهل، عن حجاج، إلا أنه قال: جاء جبرائيـل ومعه مكائيـل، وقال فـيه: وإذا بقوم يسرحون كما تسرح الأنعام يأكلون الضريع والزقوم، وقال فـي كل موضع قال علـيّ: «ما هؤلاء»، «من هؤلاء يا جبرئيـل»، وقال فـي موضع «تقرض ألسنتهم» «تقص ألسنتهم»، وقال أيضاً فـي موضع قال علـيّ فـيه: «ونعم الـخـلـيفة». قال فـي ذكر الـخمر، فقال: «لا أريده قد رويت»، قال جبرئيـل: قد أصبت الفطرة يا مـحمد، إنها ستـحرم علـى أمتك، وقال فـي سدرة الـمنتهى أيضاً: هذه السدرة الـمنتهى، إلـيها ينتهي كلّ أحد خلا علـى سبـيـلك من أمتك وقال أيضاً فـي الورقة منها: "تظلّ الـخـلق كلهم، تغشاها الـملائكة مثل الغربـان حين يقعن علـى الشجرة، من حُبّ الله عزّ وجلّ" وسائر الـحديث مثل حديث علـيّ.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن أبـي هارون العبدي، عن أبـي سعيد الـخدري وحدثنـي الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، قال: أخبرنا أبو هارون العبدي، عن أبـي سعيد الـخدري، واللفظ لـحديث الـحسن بن يحيى، فـي قوله: { سُبْحانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَـيْلاً مِنَ الـمَسْجِد الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى } قال: ثنا النبـيّ صلى الله عليه وسلم عن لـيـلة أُسري به فقال نبـيّ الله: "أُتِـيتُ بِدَابَّةٍ هِيَ أشْبَهُ الدَّوَابّ بـالبَغْلِ، لَهُ أذُنانِ مُضْطَرِبَتان وَهُوَ البُرَاقُ، وَهُوَ الَّذِي كانَ تَرْكَبُهُ الأنْبِـياءُ قَبْلِـي، فَرَكِبْتُهُ، فـانْطَلَقَ بِـي يَضَعُ يَدَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ، فَسَمِعْتُ نِدَاءً عَنْ يَـمِينِـي: يا مُـحَمَّدُ عَلـى رِسْلِكَ أسألْكَ، فَمَضَيْتُ وَلَـمْ أعَرِّجْ عَلَـيْهِ ثُمَّ سَمِعْتُ نِدَاءً عَنْ شِمالـي: يا مُـحَمَّدُ عَلـى رِسُلِكَ أسألْكَ، فَمَضَيْتُ وَلـمْ أعَرِّجْ عَلَـيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلْتُ امْرأةً فِـي الطَّرِيقِ، فَرأيْتُ عَلَـيْها مِنْ كُلّ زِينَةٍ مِنْ زِينَةِ الدُّنـيْا رَافِعَةً يَدَها، تَقُولُ: يا مُـحَمَّدُ علـى رِسْلِكَ أسألْكَ، فَمَضْيتُ وَلَـمْ أعَرِّجْ عَلَـيْها، ثُمَّ أتَـيْتُ بَـيْتَ الـمَقْدِسِ، أوْ قالَ الـمَسْجِدَ الأقْصَى، فَنَزَلْتُ عَنِ الدَّابَةِ فَأوْثْقْتُها بـالـحَلْقَةِ التـي كانَنِ الأنْبِـياءُ تُوثِقُ بِها، ثُمَّ دَخَـلْتُ الـمَسْجِدَ فَصَلَّـيْتُ فِـيهِ، فقالَ لِي جَبْرَئِيـل: ماذَا رأيْتَ فِـي وَجْهِكَ، فَقُلْتُ: سَمِعْتُ نِدَاءً عَنْ يَـمِينِـي أنْ يا مُـحَمَّدُ عَلـى رِسْلِكَ أسألْكَ، فَمَضَيْتُ ولَـمْ أعَرِّجْ عَلَـيْهِ، قالَ: ذَاكَ داعِيَ الـيَهُودِ، أمَا أنَّكَ لو وَقَفْتَ عَلَـيْهِ لَتهَوَّدَتْ أُمَّتُكَ، قال: ثُمَّ سَمِعْتُ نِدَاءً عَنْ يَسارِي أنْ يا مُـحَمَّدُ عَلـى رِسْلِكَ أسألْكَ، فَمَضَيْتُ وَلَـمْ أعَرِّجْ عَلَـيْهِ، قال: ذَاكَ داعي النَّصَارَى، أمَا إنَّكَ لَوْ وَقَـفْتَ عَلَـيْهِ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ، قُلْتُ: ثُمَّ استْقَبَلَتَنِـي امْرأةٌ عَلَـيْها مِنْ كُلّ زِينَةٍ مِنْ زِينَةِ الدُّنـيْا رَافِعَةً يَدَها تَقُولُ عَلـى رِسْلِكَ، أسألْكَ، فَمَضَيْتُ ولَـمْ أُعَرّجْ عَلَـيْها، قال: تِلْكَ الدُّنـيْا تَزَيَّنَتْ لَكَ، أمَا إنَّكَ لَوْ وَقَـفْتَ عَلَـيْها لاخْتارَتْ أُمَّتُكَ الدُّنْـيا علـى الآخِرَةِ، ثُمَّ أُتِـيتُ بإناءَيْنِ أحَدُهُما فِـيهِ لَبنٌ، والآخَرُ فِـيهِ خَمْرٌ، فَقِـيـلَ لِـي: اشْرَبْ أيَّهُما شِئْتَ، فَأخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، قال: أصَبْتَ الفِطْرَةَ أوْ قالَ: أخَذْتَ الفِطْرَةَ" .

قال معمر: وأخبرنـي الزهري، عن ابن الـمسيب أنه قـيـل له: أما إنك لو أخذت الـخمر غوت أمتك.

قال أبو هارون فـي حديث أبـي سعيد: "ثُمَّ جِيءَ بـالـمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُجُ فِـيهِ أرْوَاحُ بَنِـي آدَمَ فإذَا هُوَ أحْسَنُ ما رأيْتُ ألَـمْ تَرَ إلـى الـمَيّتِ كَيْفَ يُحِدُّ بَصَرَهُ إلَـيْهِ فَعُرِجَ بِنا فِـيهِ حتـى انْتَهَيْنا إلـى بـابِ السَّماءِ الدُّنـيْا، فـاسْتَفْتَـحَ جَبْرَائِيـلُ، فَقـيـلَ مَنْ هَذا؟ قال: جَبْرَئِيـلُ؟ قِـيـلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: مُـحَمَّدٌ، قِـيـلَ: أوَ قَدْ أُرْسِلَ إلَـيْهِ؟ قال: نَعَمْ، فَفَتَـحُوا وَسَلَّـمُوا عَلَـيَّ، وَإذَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ يَحْرُسُ السَّماءَ يُقال لَهُ إسْماعِيـلُ، مَعَهُ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ مَعَ كُلّ مَلَكٍ مِنْهُمْ مِئَةُ ألْفٍ، ثم قرأ: وَما يَعْلَـمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلاَّ هُوَ وَإذَا أنا بِرَجُلٍ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَـلَقَهُ اللّهُ لَـمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ، فإذَا هُوَ تُعْرَض عَلَـيْهِ أرْوَاحُ ذُرَّيَّتِهِ، فإذَا كانَتْ رُوح مُؤْمِنٍ، قالَ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ، وَرِيحٌ طَيِّبَةٌ، اجْعَلُوا كِتابَهُ فِـي عِلِّـيِـينَ وَإذَا كانَ رُوحَ كافِرٍ قالَ: رُوحٌ خَبِـيثَةٌ وَرِيحٌ خَبِـيثَةٌ، اجْعَلُوا كِتابَهُ فِـي سِجيِّـلٍ، فَقُلْتُ: يا جَبْرَائِيـلُ مَنْ هَذَا؟ قال: أبُوكَ آدَمُ، فَسَلَّـمَ عَلـيَّ وَرَحَّبَ بِـي وَدَعا لِـي بِخَيرٍ وَقال: مَرْحَبـاً بـالنَّبِـيّ الصَّالِـحِ والوَلَدِ الصَّالِـحِ، ثُمَّ نَظَرْتُ فإذَا أنا بقَوْمٍ لَهُمْ مَشافِرُ كمَشافِرِ الإبلِ، وَقَدْ وُكِّلَ بِهِمْ مَنْ يَأْخُذُ بِـمَشافِرِهِمْ، ثُمَّ يُجْعَلُ فـي أفْوَاهِهِمْ صَخْراً مِنْ نارٍ يَخْرُجُ مِنْ أسافِلِهِمْ، قُلْتُ: يا جَبرْئِيـلُ مَنْ هَؤُلاءِ؟ قال: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوَالَ الـيَتَامَى ظُلْـماً. ثُمَّ نَظَرْتُ فإذَا أنا بَقَوْمٍ يُحْذَي مِنْ جُلُودِهِمْ ويُرَدُّ فِـي أفْوَاهِهِمْ، ثُمَّ يُقال: كُلُوا كمَا أكَلْتُـمْ، فإذَا أكْرَهُ ما خَـلَقَ اللّهُ لَهُمْ ذلكَ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يا جَبْرَائِيـلُ؟ قال: هَؤُلاءِ الهَمَّازُونَ اللَّـمازُونَ الذِينَ يأكُلُونَ لُـحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِـي أعْرَاضِهِمْ بـالسَّبّ ثُمَّ نَظَرْتُ فإذَا أنا بِقَوْمٍ عَلـى مائِدَةٍ عَلَـيْها لَـحْمٌ مَشْوِيّ كأحْسَنِ ما رأيْتُ مِنَ اللـحْمِ، وَإذَا حَوْلَهُمْ جِيَفٌ، فَجعلُوا يَـمِيـلُونَ عَلـى الـجِيفِ يَأكُلُونَ مِنْها وَيَدَعُونَ ذلكَ اللـحْمَ، قُلْتُ: مَنْ هَؤلاءِ يا جَبْرَائِيَـلُ؟ قالَ: هَؤُلاءِ الزُّناةُ عَمَدُوا إلـى مَا حَرَّمَ اللّهُ عَلَـيْهِمْ، وَتَرَكُوا ما أحَلَّ اللّهُ لَهُمْ ثمَّ نَظَرْتُ فإذَا أنا بِقَوْمٍ لَهُمْ بُطونٌ كأنَّها البُـيُوتُ وَهِيَ علـى سابِلَةِ آلِ فِرْعَوْنَ، فإذَا مَرَّ بِهِمْ آلُ فِرْعَوْنَ ثارُوا، فَـيَـمِيـلُ بأحَدِهِمْ بَطْنُهُ فَـيَقَعُ، فَـيَتَوَطئُوهُمْ آلُ فِرْعَوْنَ بأرْجُلِهِمْ، وَهُمْ يُعْرَضُونَ عَلـى النارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاء يا جَبْرَائِيـلُ؟ قال: هَؤُلاءِ أكَلَةُ الرّبـا، رَبـا فِـي بُطُونِهِمْ، فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي يَتَـخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِن الـمَسّ ثُمَّ نَظَرْتُ، فإذَا أنا بِنِساءٍ مُعَلَّقاتٍ بِثُدُيِّهِنَّ، وَنِساءٌ مُنَكَّساتٌ بأرْجُلِهِنَّ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يا جِبْرَئِيـلُ؟ قال: هنّ اللاتـي يَزْنِـينَ وَيَقْتُلْنَ أوْلادَهُنَّ قالَ: ثُمَّ صَعَدْنا إلـى السَّماءِ الثَّانِـيَةِ، فإذَا أنا بِـيُوسُف وحَوْلهُ تَبَعٌ مِنْ أُمَّتِهِ، وَوَجْهُهُ كالقَمَرِ لَـيْـلَةَ البَدْرِ، فَسَلَّـمَ عَلـيَّ وَرَحَّبَ بِـي، ثُمَّ مَضَيْنا إلـى السَّماءِ الثَّالِثَةِ، فإذا أنا بـابْنِـيَ الـخالَةِ يَحيَى وَعِيَسى، يُشْبِهُ أحَدُهُما صَاحِبَهُ، ثِـيابُهما وَشَعْرُهُما، فَسَلَّـما عَلـيَّ، وَرَحبَّـابِـي ثُمَّ مَضَيْنَا إلـى السَّماءِ الرّابِعَةِ، فإذا أنا بإدْرِيَس، فَسَلَّـمَ عَلـيَّ وَرَحَّب وَقَدْ قالَ اللّهُ: وَرَفَعْناه مَكانا عَلِـيًّا ثُمَّ مَضَيْنا إلـى السَّماءِ الـخامِسَةِ، فإذَا أنا بِهارُونَ الـمُـحَبَّبِ فِـي قَوْمِهِ، حَوْلَهُ تَبَعٌ كَثِـيرٌ مِنْ أُمَّتِهِ" فَوَصَفَهُ النَّبِـي صلى الله عليه وسلم: "طَوِيـلُ اللِّـحْيَةِ تَكادُ لِـحْيَتُهُ تَـمَسُّ سُرَّتَهُ، فَسلَّـمَ علـيَّ وَرَحَبَ ثُمَّ مَضَيْنا إلـى السَّماءِ السَّادِسَةِ فإذَا أنا بـمُوسَى بْنِ عِمْرانَ" فَوَصَفَهُ النَّبِـيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: "كَثِـيرُ الشَّعْرِ لَوْ كانَ عَلَـيْهِ قَمِيصَانِ خَرَجَ شَعْرُهُ مِنْهُمَا قالَ مُوسَى: تَزْعَمُ النَّاسُ أنّـي أكْرَمُ الـخَـلْقِ عَلـى اللّهِ، فَهَذَا أكْرَمُ عَلـى اللّهِ مِنِّـي، وَلَوْ كانَ وَحْدَهُ لَـمْ أكُنْ أُبـالـي، وَلَكِنْ كُلُّ نَبِـيّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ ثُمَّ مَضَيْنا إلـى السَّماءِ السَّابِعَةِ، فإذَا أنا بإبْرَاهِيـمَ وَهُوَ جالِس مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إلـى البَـيْتِ الـمَعْمُورَ فَسَلَّـمَ عَلـيَّ وَقال: مَرْحبـا بـالنَّبِـيّ الصَّالِـحِ وَالَوَلَدِ الصَّالِـحِ، فَقِـيـلَ: هذَا مَكانُكَ وَمَكانُ أُمَّتِك، ثُمَّ تَلا: إنَّ أوْلَـى النَّاسِ بـابْرَاهِيـمَ للَّذِينَ اتَّبَعُوا وَهَذا النَّبِـيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَاللّهُ وَلِـيُّ الـمُؤْمِنِـينَ ثُمَّ دَخَـلْتُ البَـيْتَ الـمَعْمُورَ فَصَلَّـيْتُ فِـيهِ، وَإذَا هُوَ يَدْخُـلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ ثُمَّ نَظَرْتُ فإذَا أنا بشَجَرَةٍ إنْ كانَتْ الوَرَقَةُ مِنْها لُـمغَطِّيَةٌ هَذِهِ الأُمَّةَ، فإذَا فِـي أصْلِها عَيْنٌ تَـجْرِي قَدْ تَشَعَّبَتْ شُعْبَتَـيْنِ، فَقُلْتُ: ما هذَا يا جَبْرَائِيـلُ؟ قال: أمَّا هَذَا: فَهُوَ نَهْرُ الرَّحْمَةِ، وأمَّا هذَا: فَهُوَ الكَوْثَرُ الذِي أعْطاكَهُ اللّهُ، فـاغْتَسَلْتُ فِـي نَهْرِ الرَّحمَةِ فَغُفِرَ لِـي ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِـي وَما تَأخَّرَ، ثُمَّ أَخَذْتُ عَلـى الكَوْثَرِ حتـى دَخَـلْتُ الـجَنَّة، فإذَا فِـيها ما لا عَيْنٌ رأتْ، وَلا أُذُنٌ سَمَعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلـى قَلْبِ بَشَرٍ، وَإذَا فِـيها رُمَّانٌ كأنَّهُ جُلُودُ الإبِلِ الـمُقَتَّبَةُ، وإذَا فِـيها طَيْرٌ كأنَّها البُخْتُ" فقالَ أبُو بَكْرِ: إنَّ تِلكَ الطَّيْرَ لَناعِمَةٌ، قالَ: "أكَلَتْها أنْعَمُ مِنْها يا أبـا بَكْرٍ، وإنّـي لأَرْجُو أنْ تَأكُلَ مِنْها، ورأيْتُ فِـيها جارِيَةً، فَسألْتُها: لَـمَنْ أنْتِ؟ فَقالَتْ: لزَيْدِ بْنِ حارِثَة" فَبَشِّرَ بِها رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْداً قالَ: "ثُمَّ إنَّ اللّهَ أمَرَنِـي بأمْرِهِ، وَفَرَض عَلـيَّ خَمْسِينَ صَلاةً، فَمَرَرْتُ عَلـى مُوسَى، فقالَ: بِـمَ أمَرَكَ رَبُّكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ عَلـيَّ خَمْسِينَ صَلاةَ، قالَ: ارْجِعْ إلـى رَبِّكَ فأسألْهُ التَّـخْفِـيفَ، فإنَّ أُمَّتَكَ لَنْ يَقُومُوا بِهذَا، فَرَجَعْتُ إلـى رَبّـي فَسألْتُهُ فَوَضَعَ عَنِّـي عَشْراً، ثُمَّ رَجَعْتُ إلـى مُوسَى، فَلَـمْ أزَلْ أرْجِعُ إلـى رَبّـي إذَا مَرَرْتُ بِـمُوسَى حتـى فَرَض عَلَـيَّ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فَقالَ مُوسَى: ارْجِعْ إلـى رَبِّكَ فـاسألْهُ التَّـخْفِـيفَ، فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إلـى رَبّـي حتـى اسْتَـحْيَـيْتُ" أوْ قالَ: "قُلْت: ما أنا بِرَاجِعٍ، فَقـيـلَ لـي: إنَّ لَكَ بِهذِهِ الـخَمْسِ صَلَوَاتِ خَمْسِينَ صَلاةً، الـحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَـمْ يَعْمَلْها كُتِبتْ لَهُ حَسَنَة، وَمَنْ عَمِلَها كُتِبَتْ عشْراً، وَمَنْ هَمَّ بِسيَئَةٍ فَلَـم يَعْمَلْها لَـمْ تُكْتَبْ شَيْئاً، فإنْ عَمِلَها كُتِبَتْ وَاحِدَةً" .

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي روح بن القاسم، عن أبـي هارون عمارة بن جوين العبدي، عن أبـي سعيد الـخدري وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: وثنـي أبو جعفر، عن أبـي هارون، عن أبـي سعيد، قال: سمعت النبـيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "لَـمَّا فَرَغْتُ مِـمَّا كانَ فِـي بَـيْتِ الـمَقْدِسِ، أُتِـيَ بـالـمِعْرَاجِ، ولَـمْ أرَ شَيْئاً قَطُّ أحْسَنَ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي يَـمُدُّ إلَـيْهِ مَيِّتُكُمْ عَيْنَـيْهِ إذا حَضَرَ، فَأصْعَدَنِـي صَاحِبـي فِـيهِ حتـى انْتَهَى إلـى بـابٍ مِنَ الأبْوَابِ يُقالُ لَهُ بـابُ الـحَفَظَةِ، عَلَـيْهِ مَلَكٌ يُقالُ لَهُ إسْماعِيـلُ، تَـحْتَ يَدَيهِ اثْنا عَشَرَ ألْفَ مَلَكٍ، تَـحْت يَدَيْ كُلِّ مَلَكٍ مِنْهُمْ اثْنا عَشَرَ ألْفَ مَلَكٍ" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حدّث هذا الـحديث: "ما يَعْلَـمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلاَّ هُوَ" ثم ذكر نـحو حديث معمر، عن أبـي هارون إلا أنه قال فـي حديثه: قال: "ثُمَّ دَخَـلَ بِـيَ الـجَنَّةَ فَرأيْتُ فِـيها جارِيَةً، فسألتُها لِـمَنْ أنْتِ؟ وَقَدْ أعْجَبَتْنِـي حينَ رأيْتُها، فَقالَتْ: لِزَيْدِ بْنِ حارِثَةَ" فبشَّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، ثم انتهى حديث ابن حميد عن سلـمة إلـى ههنا.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن الـمسيب، عن أبـي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لأصحابه لـيـلة أُسري به إبراهيـمَ وموسى وعيسى فقال: "أمَّا إبْرَاهِيـمُ فَلَـمْ أرَ رَجُلاً أشْبَهً بِصَاحِبِكُمْ مِنْهُ. وأمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمٌ طِوَالٌ جَعْدٌ أقْنَى، كأنَّه مِنْ رِجالِ شُنُوءَةَ. وأمَّا عِيسَى فَرجُلٌ أحْمَرُ بـينَ القَصِيرِ والطَّوِيـلِ سَبطُ الشَّعْرِ كَثِـيرُ خِيلانِ الوَجْهِ، كأنَّه خَرَجَ مِنْ دِيـماَسٍ كأنَّ رأسَهُ يَقْطُرُ ماءً، وَما بِهِ ماءٌ، أشْبَهُ مِنْ رأيْتُ بِهِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ" .

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن مـحمد، عن الزهري، عن سعيد بن الـمسيب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنـحوه، ولـم يقل عن أبـي هريرة.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أنس، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أُتِـي بـالبراق لـيـلة أُسري به مسرجا ملـجماً لـيركبه، فـاستصعب علـيه، فقال له جبرئيـل: ما يحملك علـى هذا، فوالله ما ركبك أحد قطّ أكرم علـى الله منه قال: فـارفض عرقاً.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: { سُبْحانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَـيْلاً مِنَ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بـارَكْنا حَوْلَهُ } أسري بِنَبِـيِّ الله عشاء من مكة إلـى بـيت الـمقدس، فصلـى نبـيّ الله فـيه، فأراه الله من آياته وأمره بـما شاء لـيـلة أسري به، ثم أصبح بـمكة. ذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: "حُمِلْتُ عَلـى دَابَّةٍ يُقالُ لَهَا البُرَاقُ، فَوْقَ الـحِمارِ وَدُونَ البَغْلِ، يَضَعُ حافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ" فحدث نبـيّ الله بذلك أهل مكة، فكذب به الـمشركون وأنكروه وقالوا: يا مـحمد تـخبرنا أنك أتـيت بـيت الـمقدس، وأقبلت من لـيـلتك، ثم أصبحت عندنا بـمكة، فما كنت تـجيئنا به، وتأتـي به قبل هذا الـيوم مع هذا فصدقه أبو بكر، فسمِّي أبو بكر الصدّيق من أجل ذلك.

حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا سلـيـمان الشيبـانـي، عن عبد الله بن شدّاد، قال: لـما كان لـيـلة أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم أتـي بدابة يقال لها البراق، دون البغل وفوق الـحمار، تضع حافرها عند منتهى ظفرها فلـما أتـى بـيت الـمقدس أُتِـيَ بإناءين: إناء من لبن، وإناء من خمر، فشرب اللبن. قال: فقال له جبرائيـل: هديت وهديت أمتك.

وقال آخرون مـمن قال: أسرى بـالنبـيّ صلى الله عليه وسلم إلـى الـمسجد الأقصى بنفسه وجسمه أسرى به علـيه السلام، غير أنه لـم يدخـل بـيت الـمقدس، ولـم يصلّ فـيه، ولـم ينزل عن البراق حتـى رجع إلـى مكة. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا سفـيان، قال: ثنـي عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبـيش، عن حُذيفة بن الـيـمان، أنه قال فـي هذه الآية: { سُبْحانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَـيْلاً مِنَ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى } قال: لـم يصلّ فـيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو صلـى فـيه لكتب علـيكم ألصلاة فـيه، كا كتب علـيكم الصلاة عند الكعبة.

حدثنا أبو كريب، قال: سمعا أبـا بكر بن عياش، ورجل يحدّث عنده بحديث حين أسري بـالنبـيّ صلى الله عليه وسلم، فقال له: لا تـجِيء بـمثل عاصم ولا زرّ قال: قال حُذيفة لزرّ بن حبـيش قال: وكان زِرُّ رجلاً شريفـا من أشراف العرب، قال: قرأ حُذيفة { سُبْحانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ اللَّـيْـلِ مِنَ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بـارَكْنا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصِيرُ } وكذا قرأ عبد الله، قال: وهذا كما يقولون: إنه دخـل الـمسجد فصلـى فـيه، ثم دخـل فربط دابته، قال: قلت: والله قد دخـله، قال: من أنت فإنـي أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك، قال: قلت: زر بن حبـيش، قال: ما عملك هذا؟ قال: قلت: من قبَل القرآن، قال: من أخذ بـالقرآن أفلـح، قال: فقلت: { سُبْحانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَـيْلاً مِنَ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بـارَكْنا حَوْلَهُ } قال: فنظر إلـيَّ فقال: يا أصلع، هل ترى دخـله؟ قال: قلت: لا والله، قال حُذيفة: أجل والله الذي لا إله إلا هو ما دخـله، ولو دخـله لوجبت علـيكم صلاة فـيه، لا والله ما نزل عن البراق حتـى رأى الـجنة والنار، وما أعدّ الله فـي الآخرة أجمع وقال: تدري ما البراق؟ قال: دابة دون البغل وفوق الـحمار، خطوه مدّ البصر.

وقال آخرون: بل أسري بروحه، ولـم يسر بجسده. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي يعقوب بن عتبة بن الـمغيرة بن الأخنس أن معاوية بن أبـي سفـيان، كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كانت رؤيا من الله صادقة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن مـحمد، قال: ثنـي بعض آل أبـي بكر، أن عائشة كانت تقول: ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله أسرى بروحه.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال ابن إسحاق: فلـم يُنكر ذلك من قولها الـحسن أن هذه الآية نزلت { { وَما جَعَلْنا الرُّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاَّ فِتْنَةً للنَّاسِ } ولقول الله فـي الـخبر عن إبراهيـم، إذ قال لابنه: { يا بنـيّ إنّـي أرَى فِـي الـمَنامِ أنّـي أذْبَحُكَ فـانْظُرْ ماذَا تَرَى } ثم مضى علـى ذلك، فعرفت أن الوحي يأتـي بـالأنبـياء من الله أيقاظاً ونـياماً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تَنامُ عَيْسَى وَقَلْبِـي يَقْظانُ" فـالله أعلـم أيّ ذلك كان قد جاءه ؤعاين فـيه من أمر الله ما عاين علـى أيّ حالاته كان نائماً أو يقظاناً كلّ ذلك حقّ وصدق.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن الله أسرى بعبده مـحمد صلى الله عليه وسلم من الـمسجد الـحرام إلـى الـمسجد الأقصى، كما أخبر الله عبـاده، وكما تظاهرت به الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله حمله علـى البراق حين أتاه به، وصلـى هنالك بـمن صلـى من الأنبـياء والرسل، فأراه ما أراه من الآيات ولا معنى لقول من قال: أسرى بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لـم يكن فـي ذلك ما يوجب أن يكون ذلك دلـيلاً علـى نبوّته، ولا حجة له علـى رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقـيقة ذلك من أهل الشرك، كانوا يدفعون به عن صدقه فـيه، إذ لـم يكن منكرا عندهم، ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بنـي آدم أن يرى الرائي منهم فـي الـمنام ما علـى مسيرة سنة، فكيف ما هو علـى مسيرة شهر أو أقلّ؟ وبعد، فإن الله إنـما أخبر فـي كتابه أنه أسرى بعبده، ولـم يخبرنا أنه أسرى بروح عبده، ولـيس جائزا لأحد أن يتعدّى ما قال الله إلـى غيره. فإن ظنّ ظانّ أن ذلك جائز، إذ كانت العرب تفعل ذلك فـي كلامها، كما قال قائلهم:

حَسِبْتُ بُغامَ رَاحِلَتِـي عَناقاًوَما هِيَ وَيْبَ غيرِكِ بـالْعَناقِ

يعنـي: حسبت بغام راحلتـي صوت عناق، فحذف الصوت واكتفـى منه بـالعناق، فإن العرب تفعل ذلك فـيـما كان مفهوما مراد الـمتكلـم منهم به من الكلام. فأما فـيـما لا دلالة علـيه إلا بظهوره، ولا يوصل إلـى معرفة مراد الـمتكلِّـم إلا ببـيانه، فإنها لا تـحذف ذلك ولا دلالة تدلّ علـى أن مراد الله من قوله: { أسْرَى بِعَبْدِهِ } أسرى بروح عبده، بل الأدلة الواضحة، والأخبـار الـمتتابعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أسرى به علـى دابة يُقال لها البراق ولو كان الإسراء بروحه لـم تكن الروح مـحمولة علـى البراق، إذ كانت الدوابّ لا تـحمل إلا الأجسام. إلا أن يقول قائل: إن معنى قولنا: أسرى بروحه: رأى فـي الـمنام أنه أسرى بجسده علـى البراق، فـيكذب حينئذٍ بـمعنى الأخبـار التـي رُويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن جبرئيـل حمله علـى البراق، لأن ذلك إذا كان مناماً علـى قول قائل هذا القول، ولـم تكن الروح عنده مـما تركب الدوابّ، ولـم يحمل علـى البراق جسم النبـيّ صلى الله عليه وسلم، لـم يكن النبـيّ صلى الله عليه وسلم علـى قوله حُمل علـى البراق لا جسمه، ولا شيء منه، وصار الأمر عنده كبعض أحلام النائمين، وذلك دفع لظاهر التنزيـل، وما تتابعت به الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت به الآثار عن الأئمة من الصحابة والتابعين.

وقوله: { الَّذِي بـاركْنا حَوْلَهُ } يقول تعالـى ذكره: الذي جعلنا حوله البركة لسكانه فـي معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم. وقوله: { لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا } يقول تعالـى ذكره: كي نرى عبدنا مـحمداً من آياتنا، يقول: من عبرنا وأدلتنا وحججنا، وذلك هو ما قد ذكرت فـي الأخبـار التـي رويتها آنفـاً، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أريه فـي طريقه إلـى بـيت الـمقدس، وبعد مصيره إلـيه من عجائب العبر والـمواعظ. كما:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا } ما أراه الله من الآيات والعبر فـي طريق بـيت الـمقدس.

وقوله: { إنّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } يقول تعالـى ذكره: إن الذي أسرى بعبده هو السميع لـما يقول هؤلاء الـمشركون من أهل مكة فـي مسرى مـحمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلـى بـيت الـمقدس، ولغير ذلك من قولهم وقول غيرهم، البصير بـما يعملون من الأعمال، لا يخفـى علـيه شيء من ذلك، ولا يعزب عنه علـم شيء منه، بل هو مـحيط بجميعه علـماً، ومـحصيه عدداً، وهو لهم بـالـمرصاد، لـيجزى جميعهم بـما هم أهله.

وكان بعض البصريـين يقول: كسرت «إن» من قوله: { إنَّهُ هَوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } لأن معنى الكلام: قل يا مـحمد: سبحان الذي أسرى بعبده، وقل: إنه هو السميع البصير.