التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
٩٢
-النساء

جامع البيان في تفسير القرآن

يعني جلّ ثناؤه بقوله: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطأً }: وما أذن الله لمؤمن ولا أباح له أن يقتل مؤمناً. يقول: ما كان ذلك له فيما جعل له ربه وأذن له فيه من الأشياء البتة. كما:

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطأً } يقول: ما كان له ذلك فيما أتاه من ربه من عهد الله الذي عهد إليه.

وأما قوله: { إِلا خَطأً } فإنه يقول: إلا أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ، وليس له مما جعل له ربه فأباحه له. وهذا من الاستنثاء الذي تسميه أهل العربية: الاستثناء المنقطع، كما قال جرير بن عطية:

مِنَ البِيضِ لَمْ تَظْعَنْ بَعِيداً ولمْ تَطأْعلى الأرْضِ إلا رَيْطَ بُرْدٍ مُرَحَّلِ

يعني: لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس ذيل البرد من الأرض.

ثم أخبر جلّ ثناؤه عباده بحكم من قتل من المؤمنين خطأ، فقال: { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } يقول: فعليه تحرير رقبة مؤمنة من ماله ودية مسلمة يؤدّيها عاقلته إلى أهله: { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } يقول: إلا أن يصدّق أهل القتيل خطأ على من لزمته دية قتيلهم، فيعفوا عنه ويتجاوزوا عن ذنبه، فيسقط عنه. وموضع «أن» من قوله: { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } نصب، لأن معناه: فعليه ذلك إلا أن يصدّقوا. وذكر أن هذه الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وكان قد قتل رجلاً مسلماً بعد إسلامه وهو لا يعلم بإسلامه. ذكر الآثار بذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن جاهد في قول الله: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً } قال: عياش بن أبي ربيعة قتل رجلاً مؤمناً كان يعذّبه مع أبي جهل، وهو أخوه لأمه، فاتّبع النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يحسب أن ذلك الرجل كان كما هو. وكان عياش هاجر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم مؤمناً، فجاء أبو جهل وهو أخوه لأمه، فقال: إن أمك تناشدك رحمها وحقها أن ترجع إليها! وهي أسماء ابنة مخرمة. فأقبل معه، فربطه أبو جهل حتى قدم مكة؛ فلما رآه الكفار زادهم ذلك كفراً وافتتاناً، وقالوا: إن أبا جهل ليقدر من محمد على ما يشاء ويأخذ أصحابه.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه، إلا أنه قال في حديثه: فاتّبع النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل وعياش يحسبه أنه كافر كما هو، وكان عياش هاجر إلى المدينة مؤمناً، فجاءه أبو جهل وهو أخوه لأمه، فقال: إن أمك، تنشدك برحمها وحقها إلا رجعت إليها! وقال أيضاً: فيأخذ أصحابه فيربطهم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد بنحوه. قال ابن جريج، عن عكرمة، قال: كان الحارث بن يزيد بن نبيشة من بني عامر بن لؤيّ يعذّب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل. ثم خرج الحارث بن يزيد مهاجراً إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلقيه عياش بالحرّة فعلاه بالسيف حتى سكت، وهو يحسب أنه كافر. ثم جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، ونزلت: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً }... الآية، فقرأها عليه، ثم قال له: "قُمْ فَحَرِّرْ" .

حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً } قال: نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي، فكان أخاً لأبي جهل بن هشام لأمه. وإنه أسلم وهاجر في المهاجرين الأولين قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلبه أبو جهل والحارث بن هشام ومعهما رجل من بني عامر بن لؤيّ، فأتوه بالمدينة، وكان عياش أحبّ إخوته إلى أمه، فكلموه وقالوا: إن أمك قد حلفت أن لا يظلها بيت حتى تراك وهي مضطجعة في الشمس، فأتها لتنظر إليك ثم ارجع! وأعطوه موثقاً من الله لا يحجزونه حتى يرجع إلى المدينة. فأعطاه بعض أصحابه بعيراً له نجيباً، وقال: إن خفت منهم شيئاً فاقعد على النجيب. فلما أخرجوه من المدينة أخذوه فأوثقوه، وجلده العامريّ، فحلف ليقتلنّ العامريّ. فلم يزل محبوساً بمكة حتى خرج يوم الفتح، فاستقبله العامريّ وقد أسلم ولا يعلم عياش بإسلامه، فضربه فقتله، فأنزل الله: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً } يقول: وهو لايعلم أنه مؤمن، { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } فيتركوا الدية.

وقال آخرون: نزلت هذه الآية في أبي الدرداء. ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً }... الآية. قال: نزل هذا في رجل قتله أبو الدرداء كانوا في سرية، فعدل أبو الدرداء إلى شِعْبٍ يريد حاجة له، فوجد رجلاً من القوم في غنم له، فحمل عليه بالسيف، فقال: لا إله إلا الله، قال: فضربه ثم جاء بغنمه إلى القوم. ثم وجد في نفسه شيئاً، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا شَقَقَتْ عَنْ قَلْبِهِ؟" فقال: ما عسيت أجد! هل هو يا رسول الله إلا دم أو ماء؟ قال: "فَقَدْ أَخَبَرَكَ بلسَانه فلم تُصَدّقه" ، قال: كيف بي يا رسول الله؟ قال: "فَكَيْفَ بِلا إلَهَ إلاَّ اللّهُ؟" قال: فكيف بي يا رسول الله؟ قال: "فَكَيْف بِلا إلَهَ إلاَّ اللّهُ" . حتى تمنيت أن يكون ذلك مبتدأ إسلامي. قال: ونزل القرآن: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً }... حتى بلغ: { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } قال: إلا أن يضعوها.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عرَّف عباده بهذه الآية ما على من قتل مؤمناً خطأ من كفارة ودية. وجائز أن تكون الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة وقتيله، وفي أبي الدرداء وصاحبه. وأيّ ذلك كان فالذي عني الله تعالى بالآية تعريف عباده ما ذكرنا، وقد عرف ذلك من عقل عنه من عباده تنزيله، وغير ضائرهم جهلهم بمن نزلت فيه.

وأما الرقبة المؤمنة فإن أهل العلم مختلفون في صفتها، فقال بعضهم: لا تكون الرقبة مؤمنة حتى تكون قد اختارت الإيمان بعد بلوغها وصلت وصامت، ولا يستحقّ الطفل هذه الصفة. ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي حيان، قال: سألت الشعبي عن قوله: { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } قال: قد صلَّت وعرفت الإيمان.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } يعني بالمؤمنة: من عقل الإيمان وصام وصلى.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: ما كان في القرآن من رقبة مؤمنة فلا يجزي إلا من صام وصلى، وما كان في القرآن من رقبة ليست مؤمنة، فالصبيّ يجزيء.

حُدثت عن يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان، عن الحسن، قال: كل شيء في كتاب الله { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } فمن صام وصلى وعقل، وإذا قال: «فتحرير رقبة»: فما شاء.

حدثنا الحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كلّ شيء في القرآن { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } فالذي قد صلّى، وما لم تكن «مؤمنة»، فتحرير من لم يصلّ.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } والرقبة المؤمنة عند قتادة: من قد صلى. وكان يكره أن يعتق في هذا الطفل الذي لم يصلّ ولم يبلغ ذلك.

حدثني يحيـى بن طلحة اليربوعيّ، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله: { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } قال: إذا عقل دينه.

حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال في: { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ }: لا يجزيء فيها صبيّ.

حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } يعني بالمؤمنة: من قد عقل الإيمان وصام وصلى، فإن لم يجد رقبة فصيام شهرين متتابعين، وعليه دية مسلمة إلى أهله، إلا أن يصدّقوا بها عليه.

وقال آخرون: إذا كان مولوداً بين أبوين مسلمين فهو مؤمن وإن كان طفلاً. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطا، قال: كلّ رقبة ولدت في الإسلام فهي تجزي.

قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب في ذلك، قول من قال: لا يجزيء في قتل الخطأ من الرقاب إلا من قد آمن وهو يعقل الإيمان من الرجال والنساء إذا كان ممن كان أبواه على ملة من الملل سوى الإسلام وولد يتيماً وهو كذلك، ثم لم يسلما ولا واحد منهما حتى أعتق في كفارة الخطأ. وأما من ولد بين أبوين مسلمين فقد أجمع الجميع من أهل العلم أنه وإن لم يبلغ حدّ الاختيار والتمييز ولم يدرك الحلم فمحكوم له بحكم أهل الإيمان في الموارثة والصلاة عليه إن مات، وما يجب عليه إن جنى، ويجب له إن جُني عليه، وفي المناكحة. فإذا كان ذلك من جمعيهم إجماعاً، فواجب أن يكون له من الحكم فيما يجزيء فيه من كفاره الخطأ إن أعتق فيها من حكم أهل الإيمان مثل الذي له من حكم الإيمان في سائر المعاني التي ذكرناها وغيرها. ومن أبى ذلك عكس عليه الأمر فيه، ثم سئل الفرق بين ذلك من أصل أو قياس، فلن يقول في شيء من ذلك قولاً إلا ألزم في غيره مثله.

وأما الدية المسلَّمة إلى أهل القتيل فهي المدفوعة إليهم على ما وجب لهم موفرة غير منتقصة حقوق أهلها منها. وذكر عن ابن عباس أنه كان يقول: هي الموفَّرة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله: { وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } قال: موفَّرة.

وأما قوله: { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } فإنه يعني به: إلا أن يتصدّقوا بالدية على القاتل أو على القتال أو على عاقلته؛ فأدغمت التاء من قوله «يتصدّقوا» في الصاد فصارتا صاداً. وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبيّ: «إلاَّ أنْ يَتَصَدَّقُوا».

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا بكر بن الشروط: في حرف أبيّ: { إلاَّ أنْ يَتَصَدَّقُوا».

القول في تأويل قوله: { فإنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبةٍ مُؤْمِنَةٍ }.

يعني جلّ ثناؤِ بقوله: { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ } فإن كان هذا القتيل الذي قتله المؤمن خطأ من قوم عدوّ لكم، يعني: من عداد قوم أعداء لكم في الدين مشركين، لم يأمنوكم الحرب على خلافكم على الإسلام، وهو مؤمن { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } يقول: فإذا قتل المسلم خطأ رجلاً من عداد المشركين والمقتول مؤمن والقاتل يحسب أنه على كفره، فعليه تحرير رقبة مؤمنة.

واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: وإن كان المقتول من قوم هم عدوّ لكم وهو مؤمن؛ أي بين أظهركم لم يهاجر، فقتله مؤمن، فلا دية عليه وعليه تحرير رقبة مؤمنة. ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيـى بن سعيد، عن سفيان، عن سماك، عن عكرمة والمغيرة، عن إبراهيم في قوله: { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ } قال: هو الرجل يسلم في دار الحرب، فيقتل. قال: ليس فيه دية، وفيه الكفارة.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة في قوله: { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ } قال: يعني: المقتول يكون مؤمناً وقومه كفار، قال: فليس له دية، ولكن تحرير رقبة مؤمنة.

حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ } قال: يكون الرجل مؤمناً وقومه كفار، فلا دية له، ولكن تحرير رقبة مؤمنة.

حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ } في دار الكفر، يقول: { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } وليس له دية.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } ولا دية لأهله من أجل أنهم كفار، وليس بينهم وبين الله عهد ولا ذمة.

حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن ابن عباس أنه قال في قول الله: { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ }... إلى آخر الآية، قال: كان الرجل يسلم، ثم يأتي قومه فيقيم فيهم وهم مشركون، فيمرّ بهم الجيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقتل فيمن يقتل، فيعتق قائله رقبة ولا دية له.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } قال: هذا إذا كان الرجل المسلم من قوم عدوّ لكم: أي ليس لهم عهد يُقتل خطأ، فإن على من قتله تحرير رقبة مؤمنة.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ } فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمن، فقتله خطأ، فعلى قاتله أن يكفر بتحرير رقبة مؤمنة، أو صيام شهرين متتابعين، ولا دية عليه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ } القتيل مسلم وقومه كفار، { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } ولا يؤدّي إليهم الدية فيتقوّون بها عليكم.

وقال آخرون: بل عني به الرجل من أهل الحرب يقدم دار الإسلام فيسلم ثم يرجع إلى دار الحرب، فإذا مرّ بهم الجيش من أهل الإسلام هرب قومه، وأقام ذلك المسلم منهم فيها، فقتله المسلمون وهم يحسبونه كافراً. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } فهو المؤمن يكون في العدوّ من المشركين يسمعون بالسرية من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فيفرّون ويثبت المؤمن فيقتل، ففيه تحرير رقبة مؤمنة.

القول في تأويل قوله تعالى: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ }.

يعني جلّ ثناؤه بقوله: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } وإن كان القتيل الذي قتله المؤمن خطأ من قوم بينكم أيها المؤمنون وبينهم ميثاق: أي عهد وذمة، وليسوا أهل حرب لكم، { فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } يقول: فعلى قاتله دية مسلَّمة إلى أهله يتحملها عاقلته، وتحرير رقبة مؤمنة كفارة لقتله.

ثم اختلف أهل التأويل في صفة هذا القتيل الذي هو من قوم بيننا وبينهم ميثاق أهو مؤمن أو كافر؟ فقال بعضهم: هو كافر، إلا أنه لزمت قاتله ديته؛ لأن له ولقومه عهداً، فواجب أداء ديته إلى قومه للعهد الذي بينهم وبين المؤمنين، وأنها مال من أموالهم، ولا يحلّ للمؤمنين شيء من أموالهم بغير طيب أنفسهم. ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ مِيثَـٰقَ } يقول: إذا كان كافراً في ذمتكم فقتل، فعلى قاتله الدية مسلَّمة إلى أهله، وتحرير رقبة مؤمنة، أو صيام شهرين متتابعين.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، قال: سمعت الزهري يقول: دية الذمي دية المسلم. قال: وكان يتأوّل: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ }.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، عن عيسى بن أبي المغيرة، عن الشعبي في قوله: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } قال: من أهل العهد، وليس بمؤمن.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } وليس بمؤمن.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } بقتله: أي بالذي أصاب من أهل ذمته وعهده؛ { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ }... الآية.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } يقول: فأدّوا إليهم الدية بالميثاق. قال: وأهل الذمة يدخلون في هذا، وتحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.

وقال آخرون: بل هو مؤمن، فعلى قاتله دية يؤدّيها إلى قومه من المشركين، لأنهم أهل ذمة. ذكر من قال ذلك:

حدثني ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } قال: هذا الرجل المسلم وقومه مشركون لهم عقد، فتكون ديته لقومه وميراثه للمسلمين، ويعقل عنه قومه ولهم ديته.

حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن جابر بن زيد في قوله: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } قال: وهو مؤمن.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن، في قوله: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } قال: هو كافر.

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية قول من قال: عني بذلك المقتول من أهل العهد، لأن الله أبهم ذلك، فقال: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ } ولم يقل: «وهو مؤمن» كما قال في القتيل من المؤمنين وأهل الحرب؛ أو عني المؤمن منهم وهو مؤمن. فكان في تركه وصفه بالإيمان الذي وصف به القتيلين الماضي ذكرهما قبل، الدليل الواضح على صحة ما قلنا في ذلك.

فإن ظنّ ظانّ أن في قوله تبارك وتعالى: { فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } دليلاً على أنه من أهل الإيمان، لأن الدية عنده لا تكون إلا لمؤمن، فقد ظنّ خطأ؛ وذلك أن دية الذمي وأهل الإسلام سواء، لإجماع جميعهم على أن ديات عبيدهم الكفار وعبيد المؤمنين من أهل الإيمان سواء، فكذلك حكم ديات أحرارهم سواء، مع أن دياتهم لو كانت على ما قال من خالفنا في ذلك، فجعلها على النصف من ديات أهل الإيمان أو على الثلث، لم يكن في ذلك دليل على أن المعنىّ بقوله: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } من أهل الإيمان، لأن دية المؤمَّنة لا خلاف بين الجميع، إلا من لا يعدّ خلافاً أنها على النصف من دية المؤمن، وذلك غير مخرجها من أن تكون دية، فكذلك حكم ديات أهل الذمة لو كانت مقصرة عن ديات أهل الإيمان لم يخرجها ذلك من أن تكون ديات، فكيف والأمر في ذلك بخلافه ودياتهم وديات المؤمنين سواء؟.

وأما الميثاق: فإنه العهد والذمة، وقد بينا في غير هذا الموضع أن ذلك كذلك والأصل الذي منه أخذ بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ في قوله: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } يقول: عهد.

حدثنا الحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } قال: هو المعاهدة.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ }: عهد.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، مثله.

فإن قال قائل: وما صفة الخطأ الذي إذا قتل المؤمن المؤمن أو المعاهَد لزمته ديته والكفارة؟ قيل: هو ما قال النَّخَعي في ذلك. وذلك ما:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره.

حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الخطأ أن يرمي الشيء فيصيب إنساناً وهو لا يريده، فهو خطأ، وهو على العاقلة.

فإن قال: فما الدية الواجبة في ذلك؟ قيل: أما في قتل المؤمن فمائة من الإبل إن كان من أهل الإبل على عاقلة قاتله، لا خلاف بين الجميع في ذلك، وإن كان في مبلغ أسنانها اختلاف بين أهل العلم، فمنهم من يقول: هي أرباع: خمس وعشرون منها حقه، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنات مخاض، وخمس وعشرون بنات لبون. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عليّ رضي الله عنه: في الخطأ شبه العمد ثلاث وثلاثون حقة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها؛ وفي الخطأ: خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنات مخاض، وخمس وعشرون بنات لبون.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن فراس والشيباني، عن الشعبي، عن عليّ بن أبي طالب، بمثله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن عليّ رضي الله عنه، بنحوه.

حدثني واصل بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن فضيل، عن أشعث بن سواء، عن الشعبي، عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: في قتل الخطأ الدية مائة أرباعاً، ثم ذكر مثله.

وقال آخرون: هي أخماس: عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات لبون، وعشرون بني لبون، وعشرون بنات مخاض. ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة عن أبي مجلز، عن أبي عبيدة عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود قال: في الخطأ عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات لبون، وعشرون بني لبون، وعشرون بنات مخاض.

حدثني واصل بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن عامر، عن عبد الله بن مسعود: في قتل الخطأ مائة من الإبل أخماساً: خُمس جذاع، وخُمس حقاق، وخُمس بنات لبون، وخُمس بنات مخاض، وخُمس بنو مخاض.

حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن أبي عبيدة عن عبد الله، قال: الدية أخماس دية الخطأ: خُمس بنات مخاض، وخُمس بنات لبون، وخُمس حقاق، وخُمس جذاع، وخُمس بنو مخاض.

واعتلّ قائلو هذه المقالة بحديث:

حدثنا به أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا يحيـى بن أبي زائدة وأبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن زيد بن جبير، عن الخشف بن مالك، عن عبد الله بن مسعود: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قضى في الدية في الخطأ أخماساً. قال أبو هشام: قال ابن أبي زائدة: عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون ابنة لبون، وعشرون ابنة مخاض، وعشرون بني مخاض.

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا يحيـى، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله أنه قضى بذلك.

وقال آخرون: هي أرباع، غير أنها ثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بنو لبون ذكور. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثني محمد بن بكر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عبد ربه، عن أبي عياض، عن عثمان وزيد بن ثابت قالا: في الخطأ شبه العمد: أربعون جذعة خَلِفة، وثلاثون حقة، وثلاثون بنات مخاض؛ وفي الخطأ: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنو لبون ذكور.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت في دية الخطأ: ثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون، وعشرون بنات مخاض، وعشرن بنو لبون ذكور.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن عثمة، قال: ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن عبد ربه، عن أبي عياض، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: وحدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت، مثله.

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن الجميع مجمعون أن في الخطأ المحض على أهل الإبل مائة من الإبل. ثم اختلفوا في مبالغ أسنانها، وأجمعوا على أنه لا يقصر بها في الذي وجبت له الأسنان عن أقلّ ما ذكرنا من أسنانها التي حدّها الذين ذكرنا اختلافهم فيها، وأنه لا يجاوز بها الذي وجبت عن أعلاها. وإذ كان ذلك من جميعهم إجماعاً، فالواجب أن يكون مجزياً من لزمته دية قتل خطأ: أي هذه الأسنان التي اختلف المختلفون فيها أداها إلى من وجبت له، لأن الله تعالى لم يحدّ ذلك بحدّ لا يجاوز به ولا يقصر عنه ولا رسوله إلا ما ذكرت من إجماعهم فيما أجمعوا عليه، فإنه ليس للإمام مجاوزة ذلك في الحكم بتقصير ولا زيادة، وله التخيير فيما بين ذلك بما رأى الصلاح فيه للفريقين، وإن كانت عاقلة القاتل من أهل الذهب فإن لورثة القتيل عليهم عندنا ألف دينار، وعليه علماء الأمصار. وقال بعضهم: ذلك تقويم من عمر رضي الله عنه للإبل على أهل الذهب في عصره، والواجب أن يقوّم في كلّ زمان قيمتها إذا عدم الإبل عاقلة القاتل. واعتلّوا بما:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أيوب بن موسى، عن مكحول، قال: كانت الدية ترتفع وتنخفض، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ثمانمائة دينار، فخشي عمر من بعده، فجعلها اثني عشر ألف درهم أو ألف دينار.

وأما الذين أوجبوها في كل زمان على أهل الذهب ذهباً ألف دينار، فقالوا: ذلك فريضة فرضها الله على لسان رسوله، كما فرض الإبل على أهل الإبل. قالوا: وفي إجماع علماء الأمصار في كل عصر وزمان إلا من شذّ عنهم، على أنها لا تزاد على ألف دينار ولا تنقص عنها، أوضح الدليل على أنها الواجبة على أهل الذهب وجوب الإبل على أهل الإبل، لأنها لو كانت قيمة لمائة من الإبل لاختلف ذلك بالزيادة والنقصان لتغير أسعار الإبل. وهذا القول هو الحقّ في ذلك لما ذكرنا من إجماع الحجة عليه.

وأما من الوَرِق على أهل الورِق عندنا، فاثنا عشر ألف درهم، وقد بينا العلل في ذلك في كتابنا «كتاب لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام».

وقال آخرون: إنما على أهل الورِق من الورِق عشرة آلاف درهم.

وأما دية المعاهد الذي بيننا وبين قومه ميثاق، فإن أهل العلم اختلفوا في مبلغها، فقال بعضهم: ديته ودية الحرّ المسلم سواء. ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا بشر بن السريّ، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهريّ: أن أبا بكر وعثمان رضوان الله عليهما كانا يجعلان دية اليهودي والنصراني إذا كانا معاهدين كدية المسلم.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا بشر بن السريّ، عن الدستوائي، عن يحيـى بن أبي كثير، عن الحكم بن عيينة: أن ابن مسعود كان يجعل دية أهل الكتاب إذا كانوا أهل ذمة كدية المسلمين.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن حماد، قال: سألني عبد الحميد عن دية أهل الكتاب، فأخبرته أن إبراهيم قال: إن ديتهم وديتنا سواء.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد، عن إبراهيم وداود عن الشعبيّ أنهما قالا: دية اليهودي والنصراني والمجوسي مثل دية الحرّ المسلم.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: كان يقال: دية اليهودي والنصراني والمجوسي كدية المسلم إذا كانت له ذمة.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء أنهما قالا: دية المعاهَد دية المسلم.

حدثنا سوار بن عبد الله، قا: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا المسعودي، عن حماد، عن إبراهيم، أنه قال: دية المسلم والمعاهد سواء.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أيوب، قال: سمعت الزهري يقول: دية الذمي دية المسلم.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن أشعث، عن عامر قال: دية الذمي مثل دية المسلم.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم مثله.

حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم مثله.

ثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر، وبلغه أن الحسن كان يقول: دية المجوسي ثمانمائة ودية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، فقال: ديتهم واحدة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الشعبي، قال: دية المعاهد والمسلم في كفارتهما سواء.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: دية المعاهد والمسلم سواء.

وقال آخرون: بل ديته على النصف من دية المسلم. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عمرو بن شعيب في دية اليهودي والنصراني قال: جعلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصف دية المسلم، ودية المجوسي ثمانمائة. فقلت لعمرو بن شعيب: إن الحسن يقول: أربعة آلاف، قال: لعله كان ذلك قبل، وقال: إنما جعل دية المجوسي بمنزلة العبد.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الله الأشجعي، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن عمر بن عبد العزيز قال: دية المعاهد على النصف من دية المسلم.

وقال آخرون: بل ديته على الثلث من دية المسلم. ذكر من قال ذلك:

حدثني واصل بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن فضيل، عن مطرف، عن أبي عثمان ـ قال: كان قاضياً لأهل مرو قال: جعل عمر رضي الله عنه دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف أربعة آلاف.

حدثنا عمار بن خالد الواسطي، قال: ثنا يحيـى بن سعيد، عن الأعمش، عن ثابت، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عمر: دية النصراني أربعة آلاف، والمجوسي ثمانمائة.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن ثابت، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال عمر: دية أهل الكتاب أربعة آلاف، ودية المجوسي ثمانمائة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ثابت، عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال، فذكر مثله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثناابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي المليح: أن رجلاً من قومه رمى يهودياً أو نصرانياً بسهم فقتله، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأغرمه ديته أربعة آلاف.

وبه عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عمر: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، أربعة آلاف.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا بعض أصحابنا، عن سعيد بن المسيب، عن عمر مثله.

قال: ثنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عمر مثله.

قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا يحيـى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أنه قال: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، والمجوسي ثمانمائة.

حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا خالد بن الحرث، قال: ثنا عبد الملك، عن عطاء، مثله.

حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك في قوله: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } الصيام لمن لا يجد رقبة، وأما الدية فواجبة لا يبطلها شيء.

القول في تأويل قوله تعالى: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }.

يعني تعالى ذكره بقوله: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ } فمن لم يجد رقبة مؤمنة يحرّرها كفارة لخطئه في قتله من قتل من مؤمن أو معاهد لعسرته بثمنها، { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } يقول: فعليه صيام شهرين متتابعين.

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم فيه بنحو ما قلنا. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } قال: من لم يجد عتقاً ـ أو عتاقة، شكّ أبو عاصم في قتل مؤمن خطأ، قال: وأنزلت في عياش بن أي ربيعة قتل مؤمناً خطأ.

وقال آخرون: صوم الشهرين عن الدية والرقبة قالوا: وتأويل الآية: فمن لم يجد رقبة مؤمنة ولا دية يسلمها إلى أهلها فعليه صوم شهرين متتابعين. ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: ثنا ابن المبارك، عن زكريا، عن الشعبي، عن مسروق: أنه سئل عن الآية التي في سورة النساء: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ } صيام الشهرين عن الرقبة وحدها، أو عن الدية والرقبة؟ فقال: من لم يجد فهو عن الدية والرقبة.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن زكريا، عن عامر، عن مسروق بنحوه.

قال أبو جعفر:والصواب من القول في ذلك أن الصوم عن الرقبة دون الدية، لأن دية الخطأ على عاقلة القاتل، والكفارة على القاتل بإجماع الحجة على ذلك، نقلاً عن نبينا صلى الله عليه وسلم، فلا يقضي صوم صائم عما لزم غيره في ماله. والمتابعة صوم الشهرين، ولا يقطعه بإفطار بعض أيامه لغير علة حائلة بينه وبين صومه. ثم قال جلّ ثناؤه: { تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } يعني: تجاوزاً من الله لكم إلى التيسير عليه بتخفيفه عنكم ما خفف عنكم من فرض تحرير الرقبة المؤمنة إذا أعسرتم بها بإيجابه عليكم صوم شهرين متتابعين. { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } يقول: ولم يزل الله عليماً بما يصلح عباده فيما يكلفهم من فرائضه وغير ذلك، حكيماً بما يقضي فيهم ويريد.]