التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٣٥
-المائدة

جامع البيان في تفسير القرآن

يعنـي جلّ ثناؤه بذلك: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله فـيـما أخبرهم ووعدهم من الثواب، وأوعد من العقاب { اتَّقُوا اللّهَ } يقول: أجيبوا الله فـيـما أمركم ونهاكم بـالطاعة له فـي ذلك، وحققوا إيـمانكم وتصديقكم ربكم ونبـيكم بـالصالـح من أعمالكم. { وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ } يقول: واطلبوا القربة إلـيه بـالعمل بـما يرضيه. والوسيـلة: هي الفعلـية من قول القائل: توسلت إلـى فلان بكذا، بـمعنى: تقرّبت إلـيه، ومنه قول عنترة:

إنَّ الرِّجالَ لهُمْ إلَـيْكِ وَسِيـلَةٌ أنْ يأْخُذُوكِ تَكَحَّلِـي وتَـخَضَّبِـي

يعنـي بـالوسيـلة: القُرْبة. ومنه قول الآخر:

إذا غَفَلَ الوَاشُونَ عُدْنا لِوَصْلِناوَعادَ التَّصَافِـي بَـيْنَنا وَالوَسائِلُ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: ثنا سفـيان (ح)، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن الـحبـاب، عن سفـيان، عن منصور، عن أبـي وائل: { وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلةَ } قال: القربة فـي الأعمال.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع (ح)، وحدثنا سفـيان، قال: ثنا أبـي، عن طلـحة، عن عطاء: { وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ } قال: القُربة.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ } قال: هي الـمسألة والقربة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { وَابْتَغُواإلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ }: أي تقرّبوا إلـيه بطاعته والعمل بـما يرضيه.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ }: القربة إلـى الله.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الـحسن فـي قوله: { وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ } قال: القربة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثـير، قوله: { وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ } قال: القربة.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ } قال: الـمـحبة، تـحببوا إلـى الله. وقرأ: { { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ }

[الإسراء: 57]. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَجاهِدُوا فِـي سَبِـيـلِهِ لَعَلكُمْ تُفْلِـحُونَ }.

يقول جلّ ثناؤه للـمؤمنـين به وبرسوله: وجاهدوا أيها الـمؤمنون أعدائي وأعداءكم فـي سبـيـلـي، يعنـي: فـي دينه وشريعته التـي شرعها لعبـاده، وهي الإسلام، يقول: أتعبوا أنفسكم فـي قتالهم وحملهم علـى الدخول فـي الـحنـيفـية الـمسلـمة { لَعَلَّكُمْ تُفْلِـحُونَ } يقول: كيـما تنـجحوا فتدركوا البقاء الدائم، والـخـلود فـي جنانه. وقد دللنا علـى معنى الفلاح فـيـما مضى بشواهده بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.