التفاسير

< >
عرض

لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٨٩
-المائدة

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره للذين كانوا حرّموا علـى أنفسهم الطيبـات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا حرّموا ذلك بأيـمان حلفوا بها، فنهاهم عن تـحريـمها، وقال لهم: لا يؤاخذكم ربكم بـاللغو فـي أيـمانكم. كما:

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قال: لـما نزلت: { { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيِّبـاتِ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ } فـي القوم الذين كانوا حرّموا النساء واللـحم علـى أنفسهم، قالوا: يا رسول الله، كيف نصنع بأيـماننا التـي حلفنا علـيها؟ فأنزل الله تعالـى ذكره: { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللَّغْوِ فِـي أيـمَانِكُمْ }... الآية.

فهذا يدلّ علـى ما قلنا من أن القوم كانوا حرّموا ما حرموا علـى أنفسهم بأيـمان حلفوا بها، فنزلت هذه الآية بسببهم.

واختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـحجاز وبعض البصريـين: { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقَّدْتُـمُ الأَيْـمَانَ } بتشديد القاف، بـمعنى: وكدتـم الأيـمان وردّدتـموها وقرّاء الكوفـيـين: «بِـمَا عَقَدْتُـمُ الأَيـمَانَ» بتـخفـيف القاف، بـمعنى: أوجبتـموها علـى أنفسكم، وعزمت علـيها قلوبكم.

وأولـى القراءتـين بـالصواب فـي ذلك قراءة من قرأ بتـخفـيف القاف، وذلك أن العرب لا تكاد تستعمل فعلت فـي الكلام، إلا فـيـما يكون فـيه تردّد مرّة بعد مرّة، مثل قولهم: شدّدت علـى فلان فـي كذا إذا كرّر علـيه الشدّ مرّة بعد أخرى، فإذا أرادوا الـخبر عن فعل مرّة واحدة قـيـل: شَدَّدت علـيه بـالتـخفـيف. وقد أجمع الـجميع لا خلاف بـينهم أن الـيـمين التـي تـجب بـالـحنث فـيها الكفـارة تلزم بـالـحنث فـي حلف مرّة واحدة وإن لـم يكرّرها الـحالف مرّات، وكان معلوماً بذلك أن الله مؤاخذ الـحالف العاقد قلبه علـى حلفه وإن لـم يكرّره ولـم يردّده وإذا كان ذلك كذلك لـم يكن لتشديد القاف من عقَّدتـم وجه مفهوم. فتأويـل الكلام إذن: لا يؤاخذكم الله أيها الـمؤمنون من أيـمانكم بـما لغوتـم فـيه، ولكن يؤاخذكم بـما أوجبتـموه علـى أنفسكم منها وعقدت علـيه قلوبكم. وقد بـينا الـيـمين التـي هي لغو والتـي الله مؤاخذ العبد بها، والتـي فـيها الـحنث والتـي لا حنث فـيها، فـيـما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادة ذلك فـي هذا الـموضع.

وأما قوله: { بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ } فإن هناداً:

حدثنا قال: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ } قال: بـما تعمدتـم.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن: { وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ } يقول: ما تعمدتَ فـيه الـمأثم، فعلـيك فـيه الكفـارة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَكَفَّـارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ }.

اختلف أهل التأويـل فـي الهاء التـي فـي قوله: { فَكَفَّـارَتُهُ } علـى ما هي عائدة، ومن ذكر ما؟ فقال بعضهم: هي عائدة علـى «ما» التـي فـي قوله: { بِـمَا عَقَّدْتُـمُ الأَيـمَانَ }. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن عديٍّ، عن الـحسن فـي هذه الآية: { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بـاللَّغْوِ فِـي إيـمَانِكُمْ } قال: هو أن تـحلف علـى الشيء وأنت يخيـل إلـيك أنه كما حلفت ولـيس كذلك، فلا يؤاخذكم الله، فلا كفـارة، ولكن الـمؤاخذة والكفـارة فـيـما حلفت علـيه علـى علـم.

حدثنا ابن حميد، وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن منصور، عن مغيرة، عن الشعبـي، قال: اللغو لـيس فـيه كفـارة { وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ } قال: ما عقد فـيه يـمينه فعلـيه الكفـارة.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن أبـي مالك، قال: الأيـمان ثلاث: يـمين تكفَّر، ويـمين لا تكفّر، ويـمين لا يؤاخذ بها صاحبها. فأما الـيـمين التـي تكفر، فـالرجل يحلف علـى الأمر لا يفعله ثم يفعله، فعلـيه الكفـارة. وأما الـيـمين التـي لا تكفر: فـالرجل يحلف علـى الأمر يتعمد فـيه الكذب، فلـيس فـيه كفـارة. وأما الـيـمين التـي لا يؤاخذ بها صاحبها: فـالرجل يحلف علـى الأمر يرى أنه كما حلف علـيه فلا يكون كذلك، فلـيس علـيه فـيه كفـارة، وهو اللغو.

حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا ابن أبـي لـيـلـى، عن عطاء، قال: قالت عائشة: لغو الـيـمين ما لـم يعقد علـيه الـحالف قلبه.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، قال: ثنا هشام، قال: ثنا حماد، عن إبراهيـم، قال: لـيس فـي لغو الـيـمين كفـارة.

حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يونس، عن ابن شهاب، أن عروة حدثه أن عائشة قالت: أيـمان الكفـارة كلّ يـمين حلف فـيها الرجل علـى جدّ من الأمور فـي غضب أو غيره لـيفعلنّ لـيتركنّ، فذلك عقد الأيـمان التـي فرض الله فـيها الكفـارة، وقال تعالـى ذكره: { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بـاللَّغْوِ فِـي إيـمَانِكُمْ وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ }.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي معاوية بن صالـح، عن يحيى بن سعيد، وعن علـيّ بن أبـي طلـحة، قالا: لـيس فـي لغو الـيـمين كفـارة.

حدثنا بشر، قال: ثنا جامع بن حماد، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن: { وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ } يقول: ما تعمدت فـيه الـمأثم فعلـيك فـيه الكفـارة. قال: وقال قتادة: أما اللغو فلا كفـارة فـيه.

حدثنا هناد، قال: ثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، قال: لا كفـارة فـي لغو الـيـمين.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو العنقزي، عن أسبـاط، عن السديّ: لـيس فـي لغو الـيـمين كفـارة.

فمعنى الكلام علـى هذا التأويـل: لا يؤاخذكم الله بـاللغو فـي أيـمانكم، ولكن يؤاخذكم بـما عقدتـم الأيـمان، فكفـارة ما عقدتـم منها: إطعام عشرة مساكين.

وقال آخرون: الهاء فـي قوله: { فَكَفَّـارَتُهُ } عائدة علـى اللغو، وهي كناية عنه. قالوا: وإنـما معنى الكلام: لا يؤاخذكم الله بـاللغو فـي أيـمانكم إذا كفرتـموه، ولكن يؤاخذكم إذا عقدتـم الأيـمان فأقمتـم علـى الـمضيّ علـيه بترك الـحنث والكفـارة فـيه، والإقامة علـى الـمضيّ علـيه غير جائزة لكم، فكفَّـارة اللغو منها إذا حنثتـم فـيه: إطعام عشرة مساكين. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس قوله: { لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ باللَّغُوِ فِي أيمَانِكُمْ } قال: هو الرجل يحلف علـى أمر ضرار أن يفعله فلا يفعله فـيرى الذي هو خير منه، فأمره الله أن يكفر عن يـمينه ويأتـي الذي هو خير. وقال مرّة أخرى قوله: { لايُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ باللَّغُوِ فِي أيمَانِكُمْ }... إلـى قوله: { بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأيـمَانَ } قال: واللغو من الـيـمين هي التـي تكفر لا يؤاخذ الله بها، ولكن من أقام علـى تـحريـم ما أحلّ الله له ولـم يتـحوّل عنه ولـم يكفِّر عن يـمينه، فتلك التـي يؤاخذ بها.

حدثنا هناد، قال: ثنا حفص بن غياث، عن داود بن أبـي هند، عن سعيد بن جبـير، قوله: { لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ باللَّغُوِ فِي أيمَانِكُمْ } قال: هو الذي يحلف علـى الـمعصية فلا يفـي، فـيكفّر.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن سعيد بن جبـير: { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللَّغْوِ فِـي أيـمَانِكُمْ } قال: هو الرجل يحلف علـى الـمعصية فلا يؤاخذه الله تعالـى، يكفِّر عن يـمينه ويأتـي الذي هو خير { ولَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بـما عَقَّدْتُـمُ الأَيْـمَانَ } الرجل يحلف علـى الـمعصية ثم يقـيـم علـيها، فكفـارته إطعام عشرة مساكين.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَـية، قال: أخبرنا داود، عن سعيد بن جبـير، قال فـي لغو الـيـمين: هي الـيـمين فـي الـمعصية، فقال: أو لا تقرأ فتفهم؟ قال: { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللَّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ } قال: فلا يؤاخذه بـالإلغاء، ولكن يؤاخذه بـالـمقام علـيها. قال: وقال: وَلا تَـجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأَيـمَانِكُمْ.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللَّغْوِ فِـي أيـمَانِكُمْ } قال: هو الرجل يحلف علـى الـمعصية فلا يؤاخذه الله بتركها إن تركها. قلت: وكيف يصنع؟ قال: يكفِّر يـمينه، ويترك الـمعصية.

حدثنـي يحيى بن جعفر، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، فـي قوله: { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللَّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ } قال: الـيـمين الـمكفرة.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: اللغو: يـمين لا يؤاخذ بها صاحبها، وفـيها كفـارة.

والذي هو أولـى عندي بـالصواب فـي ذلك، أن تكون الهاء فـي قوله: { فَكَفَّـارَتُهُ } عائدة علـى «ما» التـي فـي قوله: { بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ } لـما قدّمنا فـيـما مضى قبل أن من لزمته فـي يـمينه كفـارة وأوخذ بها، غير جائز أن يقال لـمن قد أوخذ: لا يؤاخذه الله بـاللغو وفـي قوله تعالـى: { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللَّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ } دلـيـل واضح أنه لا يكون مؤاخذ بوجه من الوجوه من أخبرنا تعالـى ذكره أنه غير مؤاخذ.

فإن ظنّ ظانّ أنه إنـما عنى تعالـى ذكره بقوله: { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللَّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ } بـالعقوبة علـيها فـي الآخرة إذا حنثتـم وكفَّرتـم، لا أنه لا يؤاخذهم بها فـي الدنـيا بتكفـير فإن إخبـار الله تعالـى ذكره وأمره ونهيه فـي كتابه علـى الظاهر العامّ عندنا بـما قد دللنا علـى صحة القول به فـي غير هذا الـموضع فأغنى عن إعادته، دون البـاطن العامّ الذي لا دلالة علـى خصوصه فـي عقل ولا خبر ولا دلالة من عقل ولا خبر، أنه عنى تعالـى ذكره بقوله: { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بـاللَّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ } بعض معانـي الـمؤاخذة دون جميعها. وإذ كان ذلك كذلك، وكان من لزمته كفـارة فـي يـمين حنث فـيها مؤاخذاً بها بعقوبة فـي ماله عاجلة، كان معلوماً أنه غير الذي أخبرنا تعالـى ذكره أنه لا يؤاخذه بها. وإذا كان الصحيح من التأويـل فـي ذلك ما قلنا بـالذي علـيه دللنا، فمعنى الكلام إذن: لا يؤاخذكم الله أيها الناس بلغو من القول والأيـمان إذا لـم تتعمدوا بها معصية الله تعالـى ولا خلاف أمره ولـم تقصدوا بها إثماً، ولكن يؤاخذكم بـما تعمدتـم به الإثم وأوجبتـموه علـى أنفسكم وعزمت علـيه قلوبكم، ويكفر ذلك عنكم، فـيغطى علـى سيء ما كان منكم من كذب وزُور قول ويـمـحوه عنكم، فلا يتبعكم به ربكم إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهلـيكم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ }.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ }: أعدله. كما:

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: سمعت عطاء يقول فـي هذه الآية: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ أوْ كِسْوَتُهُمْ } قال عطاء: أوسطه: أعدله، واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } فقال بعضهم: معناه: من أوسط ما يطعم من أجناس الطعام الذي يقتاته أهل بلد الـمكفر أهالـيهم. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: أخبرنا شريك، عن عبد الله بن حنَشَ، عن الأسود، قال: سألته عن: { أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: الـخبز والتـمر والزيت والسمن، وأفضله اللـحم.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن عبد الله بن حنَشَ، قال: سألت الأسود بن يزيد، عن ذلك، فقال: الـخبز والتـمر. زاد هناد فـي حديثه: الزيت، قال: وأحسبه الـخـلّ.

حدثنا هناد وابن وكيع، قالا: ثنا أبو الأحوص، عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين، عن ابن عمر فـي قوله: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: من أوسط ما يطعم أهله الـخبز والتـمر، والـخبز والسمن والـخبز والزيت، ومن أفضل ما يطعمهم: الـخبز واللـحم.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا مـحمد بن فضيـل، عن لـيث، عن ابن سيرين، عن ابن عمر: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } الـخبز واللـحم، والـخبز والسمن، والـخبز والـجبن، والـخبز والـخـلّ.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن عبد الله بن حنش، قال: سألت الأسود بن يزيد عن أوسط ما تطعمون أهلـيكم؟ قال: الـخبز والتـمر.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفـيان، قال: ثنا عبد الله بن حنش، قال: سألت الأسود بن يزيد، فذكر مثله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن عبد الرحمن، عن مـحمد بن سيرين، عن عبـيدة السلـمانـي: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: الـخبز والسمن.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن ابن سيرين، قال: سألت عبـيدة عن ذلك، فذكر مثله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أزهر، قال: أخبرنا ابن عون، عن مـحمد بن سيرين، عن عبـيدة: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } الـخبز والسمن.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن يزيد بن إبراهيـم، عن ابن سيرين، قال: كانوا يقولون: أفضله الـخبز واللـحم، وأوسطه: الـخبز والسمن، وأخسه: الـخبز والتـمر.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن الربـيع، عن الـحسن، قال: خبز ولـحم، أو خبز وسمن، أو خبز ولبن.

حدثنا هناد وابن وكيع، قالا: ثنا عمر بن هارون، عن أبـي مصلـح، عن الضحاك فـي قوله: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: الـخبز واللـحم والـمرقة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا زائدة، عن يحيى بن حبـان الطائي، قال: كنت عند شريح، فأتاه رجل، فقال: إنـي حلفت علـى يـمين فأثمت قال شريح: ما حملك علـى ذلك؟ قال: قدّر علـيّ، فما أوسط ما أطعم أهلـي؟ قال له شريح: الـخبز والزيت والـخـلّ طيب. قال: فأعاد علـيه، فقال له شريح ذلك ثلاث مرار لا يزيده شريح علـى ذلك. فقال له: أرأيت إن أطعمت الـخبز واللـحم؟ قال: ذاك أرفع طعام أهلك وطعام الناس.

حدثنا هناد، قال: ينا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن أبـي إسحاق، عن الـحرث، عن علـيّ، قال فـي كفـارة الـيـمين: يغديهم ويعشِّيهم خبزاً وزيتاً، أو خبزاً وسمناً، أو خلاً وزيتاً.

حدثنا هناد وابن وكيع، قالا: ثنا أبو أسامة، عن زبرقان، عن أبـي رزين: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } خبز وزيت وخـلّ.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الأعلـى، عن هشام بن مـحمد، قال: أكلة واحدة خبز ولـحم. قال: وهو من أوسط ما تطعمون أهلـيكم، وإنكم لتأكلون الـخبـيص والفـاكهة.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الأعلـى، وحدثنا هناد، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام، عن الـحسن قال فـي كفـارة الـيـمين: يجزيك أن تطعم عشرة مساكين أكلةً واحدة خبزاً ولـحماً، فإن لـم تـجد فخبزاً وسمناً ولبناً، فإن لـم تـجد فخبزاً وخلاًّ وزيتاً حتـى يشبعوا.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نـمير، عن زبرقان، قال: سألت أبـا رزين، عن كفـارة الـيـمين ما يطعم؟ قال: خبزاً وخلاًّ وزيتاً من أوسط ما تطعمون أهلـيكم، وذلك قدر قوتهم يوماً واحداً.

ثم اختلف قائلو ذلك فـي مَبْلَغِه. فقال بعضهم: مبلغ ذلك نصف صاع من حنطة، أو صاع من سائر الـحبوب غيرها. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن عبد الله بن عمرو بن مرّة، عن أبـيه، عن إبراهيـم، عن عمر، قال: إنـي أحلف علـى الـيـمين ثم يبدو لـي، فإذا رأيتنـي قد فعلت ذلك فأطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدّان من حِنطة.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو معاوية، ويعلـى عن الأعمش، عن شقـيق، عن يسار بن نُـمير، قال: قال عمر: إنـي أحلف أن لا أعطي أقواماً ثم يبدو لـي أن أعطيهم، فإذا رأيتنـي فعلت ذلك، فأطعم عنـي عشرة مساكين بـين كلّ مسكينـين صاعاً من برّ أو صاعاً من تـمر.

حدثنا هناد ومـحمد بن العلاء قالا: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبـي، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن عمرو بن مُرّة، عن عبد الله بن سلـمة، عن علـيّ، قال: كفـارة الـيـمين إطعام عشرة مساكين، لكلّ مسكين نصف صاع من حنطة.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيـم: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } نصف صاع برّ كلَّ مسكين.

حدثنا هناد، قال: ثنا حفص عن عبد الكريـم الـجزري، قال: قلت لسعيد بن جبـير: أجمعهم؟ قال: لا، أعطهم مدّينَ من حنطة، مدًّا لطعامه ومدًّا لإدامه.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن عبد الكريـم الـجزري، قال: قلت لسعيد، فذكر نـحوه.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو زيد، عن حصين، قال: سألت الشعبـي، عن كفـارة الـيـمين، فقال: مكوكين: مكوكاً لطعامه، ومكوكاً لإدامه.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الأعلـى، قال: ثنا هشام، عن عطاء، عن ابن عبـاس، قال: لكلّ مسكين مدّين.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام، عن عطاء، عن ابن عبـاس، قال: لكلّ مسكين مدّين من برّ فـي كفـارة الـيـمين.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: مدّان من طعام لكلّ مسكين.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَـية، قال: ثنا سعد بن يزيد أبو سَلَـمة، قال: سألت جابر بن زيد عن إطعام الـمسكين فـي كفـارة الـيـمين، فقال: أكلة. قلت: فإن الـحسن يقول: مكوك برّ، ومكوك تـمر، فما ترى فـي مكوك برّ؟ فقال: إن مكوك برّ لا، أو مكوك تـمر لا. قال يعقوب: قال ابن عُلَـية وقال أبو سلـمة بـيده، كأنه يراه حسناً، وقلب أبو سلـمة يده.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام، عن الـحسن: أنه كان يقول فـي كفـارة الـيـمين فـيـما وجب فـيه الطعام: مكوك تـمر، ومكوك برّ لكلّ مسكين.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا أبـي، عن الربـيع، عن الـحسن قال، قال: إن جمعهم أشبعهم إشبـاعة واحدة، وإن أعطاهم أعطاهم مكوكاً مكوكاً.

حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، عن يونس، قال: كان الـحسن يقول: فإن أعطاهم فـي أيديهم فمكوك برّ ومكوك تـمر.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبـيد الله، عن إسرائيـل، عن السديّ، عن أبـي مالك فـي كفَّـارة الـيـمين: نصف صاع لكلّ مسكين.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن علـية، عن أبـيه، عن الـحكم، فـي قوله: { إطعامُ عَشَرَةِ مَساكِين مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: إطعام نصف صاع لكلّ مسكين.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا زائدة، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: { أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } نصف صاع.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد، قال: ثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول فـي قوله: { فَكفَّـارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ } قال: الطعام لكلّ مسكين: نصف صاع من تـمر أو برّ.

وقال آخرون: بل مبلغ ذلك من كلّ شيء من الـحبوب مدّ واحد. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن هشام الدَّستَوائي، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن أبـي سلـمة، عن زيد بن ثابت، أنه قال فـي كفـارة الـيـمين: مدّ من حنطة لكلّ مسكين.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو معاوية، عن داود بن أبـي هند، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال فـي كفَّـارة الـيـمين: مدّ من حنطة لكلّ مسكين رُبْعه إدامُه.

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن داود بن أبـي هند، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، نـحوه.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر: إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ.

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: ثنا وكيع، قال: ثنا العمري، عن نافع، عن ابن عمر، قال: مدّ من حنطة لكلّ مسكين.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يكفِّر الـيـمين بعشرة أمداد بـالـمدّ الأصغر.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن مهدي، عن حماد بن سلـمة، عن عبـيد الله، عن القاسم وسالـم فـي كفَّـارة الـيـمين: ما يطعم؟ قالا: مدّ لكلّ مسكين.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن يحيى بن سعيد، عن سلـيـمان بن يسار، قال: كان الناس إذا كفَّر أحدهم، كفَّر بعشرة أمداد بـالـمدّ الأصغر.

حدثنا هناد، قال: ثنا عمر بن هارون، عن ابن جريج، عن عطاء فـي قوله: { إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ } قال: عشرة أمداد لعشَرة مساكين.

حدثنا بشر، قال: ثنا جامع بن حماد، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن: { إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: كان يقال: البرّ والتـمر، لكلّ مسكين مدّ من تـمر ومدّ من برّ.

حدثنا أبو كريب وهناد، قالا: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن مالك بن مِغْول، عن عطاء، قال: مدّ لكلّ مسكين.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: من أوسط ما تعولونهم. قال: وكان الـمسلـمون رأوا أوسط ذلك مدًّا بـمدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنطة. قال ابو زيد: هو الوسط مـما يقوت به أهله، لـيس بأدناه ولا بأرفعه.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يحيى بن عبد الله بن سالـم، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن الـمسيب: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: مدّ.

وقال آخرون: بل ذلك غَداء وعَشاء. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن أبـي إسحاق، عن الـحرث، عن علـيّ، قال فـي كفَّـارة الـيـمين: يغدّيهم ويعشيهم.

حدثنا هناد، قال: ثنا عمر بن هارون، عن موسى بن عبـيدة، عن مـحمد بن كعب القرظي فـي كفَّـارة الـيـمين قال: غداء وعشاء.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن يونس، عن الـحسن، قال: يغدّيهم ويعشيهم.

وقال آخرون: إنـما عنى بقوله: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ }: من أوسط ما يطعم الـمكفِّر أهله. قال: إن كان مـمن يشبع أهله أشبع الـمساكين العشرة، وإن كان مـمن لا يشبعهم لعجزه عن ذلك أطعم الـمساكين علـى قدر ما يفعل من ذلك بأهله فـي عسره ويسره. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس، قوله: { فَكَفَّـارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: إن كنت تشبع أهلك فأشبع الـمساكين، وإلاَّ فعلـى ما تطعم أهلك بقدره.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: { فَكَفَّـارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِين مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } وهو أن تطعم كلّ مسكين من نـحو ما تطعم أهلك من الشبع، أو نصف صاع من برّ.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن جابر، عن عامر، عن ابن عبـاس، قال: من عسرهم ويسرهم.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيـل، عن جابر، عن عامر، قال: من عسرهم ويسرهم.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا سفـيان، عن سلـيـمان بن أبـي الـمغيرة، عن سعيد بن جبـير: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: قوتهم.

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن سلـيـمان العبسي، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: قوتهم.

حدثنا أبو حميد، قال: ثنا حكام بن سلـم، قال: ثنا عنبسة، عن سلـيـمان بن عبـيد العبسي، عن سعيد بن جبـير فـي قوله: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: كانوا يفضلون الـحرّ علـى العبد والكبـير علـى الصغير، فنزلت: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ }.

حدثنا الـحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا قـيس بن الربـيع، عن سالـم الأفطس، عن سعيد بن جبـير، قال: كانوا يطعمون الكبـير ما لا يطعمون الصغير، ويطعمون الـحرّ ما لا يطعمون العبد، فقال: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُم }ْ.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيـم، قال: ثنا جويبر، عن الضحاك، فـي قوله: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: إن كنت تشبع أهلك فأشبعهم، وإن كنت لا تشبعهم، فكل قدر ذلك.

حدثنـي الـحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا شيبـان النـحويّ، عن جابر، عن عامر، عن ابن عبـاس: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } قال: من عسرهم ويسرهم.

حدثنا يونس، قال: ثنا سفـيان عن سلـيـمان، عن سعيد بن جبـير، قال: قال ابن عبـاس: كان الرجل يقوت بعض أهله قوتاً دوناً وبعضهم قوتاً فـيه سعة، فقال الله: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } الـخبز والزيت.

وأولـى الأقوال فـي تأويـل قوله: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } عندنا قول من قال: من أوسط ما تطعمون أهلـيكم فـي القلة والكثرة. وذلك أن أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي الكفَّـارات كلها بذلك وردت، وذلك كحكمه صلى الله عليه وسلم فـي كفَّـارة الحلق من الأذى بفرق من طعام بين ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع كحكمه صلى الله عليه وسلم في كفارة الوطء فـي شهر رمضان بخمسة عشر صاعاً بـين ستـين مسكيناً لكلّ مسكين ربع صاع. ولا يعرف له صلى الله عليه وسلم شيء من الكفـارات أمر بإطعام خبز وإدام ولا بغَداء وعَشاء. فإذا كان ذلك كذلك، وكانت كفـارة الـيـمين إحدى الكفـارات التـي تلزم من لزمته، كان سبـيـلها سبـيـل ما تولـى الـحكم فـيه صلى الله عليه وسلم من أن الواجب علـى مكفِّرها من الطعام مقدار للـمساكين العشرة، مـحدود بكيـل دون جمعهم علـى غداء أو عشاء مخبوز مأدوم، إذ كانت سنته صلى الله عليه وسلم فـي سائر الكفـارات كذلك. فإذ كان صحيحاً ما قلنا مـما به استشهدنا، فبـيِّن أن تأويـل الكلام: ولكن يؤاخذكم بـما عقدتـم الأيـمان، فكفـارته إطعام عشرة مساكين من أعدل إطعامكم أهلـيكم، وأن «ما» التـي فـي قوله: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } بـمعنى الـمصدر، لا بـمعنى الأسماء. وإذا كان ذلك كذلك، فأعدل أقوات الـموسع علـى أهله مدّان، وذلك نصف صاع فـي ربعه إدامه، وذلك أعلـى ما حكم به النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي كفـارة فـي إطعام مساكين، وأعدل أقوات الـمقتر علـى أهله مدّ وذلك ربع صاع، وهو أدنى ما حكم به فـي كفـارة فـي إطعام مساكين. وأما الذين رأوا إطعام الـمساكين فـي كفـارة الـيـمين الـخبز واللـحم وما ذكرنا عنهم قبل، والذين رأوا أن يغدّوا أو يعشوا، فإنهم ذهبوا إلـى تأويـل قوله: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ }: من أوسط الطعام الذي تطعمونه أهلـيكم، فجعلوا «ما» التـي فـي قوله: { مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ } اسماً لا مصدراً، فأوجبوا علـى المكفِّر إطعام الـمساكين من أعدل ما يطعم أهله من الأغذية. وذلك مذهب لولا ما ذكرنا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي الكفـارات غيرها التـي يجب إلـحاق أشكالها بها، وإن كفـارة الـيـمين لها نظيرة وشبـيهة يجب إلـحاقها بها.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { أوْ كِسْوَتُهُمْ }.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: فكفَّـارة ما عقدتـم من الأيـمان إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم. يقول إما أن تطعموهم أو تكسوهم، والـخيار فـي ذلك إلـى الـمكفِّر.

واختلف أهل التأويـل فـي الكسوة التـي عنى الله بقوله: { أوْ كِسْوَتُهُمْ } فقال بعضهم: عنى بذلك كسوة ثوب واحد. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن علـية، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي كسوة الـمساكين فـي كفَّـارة الـيـمين: أدناه ثوب.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: أدناه ثوب، وأعلاه ما شئت.

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: ثنا وكيع، عن الربـيع، عن الـحسن، قال فـي كفَّـارة الـيـمين فـي قوله: { أوْ كِسْوَتهُمْ } ثوب لكلّ مسكين.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن مهديّ، عن وهيب، عن ابن طاوس، عن أبـيه: { أوْ كِسْوَتُهُمْ } قال: ثوب.

حدثنا هناد، قال: ثنا عبـيدة، وحدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير جميعاً، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: { أوْ كِسْوَتُهُمْ } قال: ثوب.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب ثوب. قال منصور: القميص، أو الرداء، أو الإزار.

حدثنا أبو كريب وهناد، قالا: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن جابر، عن أبـي جعفر، فـي قوله: { أوْ كِسْوَتُهُمْ } قال: كسوة الشتاء والصيف ثوب ثوب.

حدثنا هناد، قال: قال ثنا عمر بن هارون، عن ابن جريج، عن عطاء فـي قوله: { أوْ كِسْوَتُهُمْ } قال: ثوب ثوب لكلّ مسكين.

حدثنا هناد، قال: ثنا عبدة بن سلـمان، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن أبـي معشر، عن إبراهيـم، فـي قوله: { أوْ كِسْوَتُهُمْ } قال: إذا كساهم ثوبـاً ثوبـاً أجزأ عنه.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إسحاق بن سلـيـمان الرازي، عن ابن سنان، عن حماد، قال: ثوب أو ثوبـان، وثوب لا بدّ منه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الـخُراسانـي، عن ابن عبـاس قال: ثوب ثوب لكلّ إنسان، وقد كانت العبـاءة تقضي يومئذ من الكسوة.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، عن معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس: { أوْ كِسْوَتُهُمْ } قال: الكسوة: عبـاءة لكلّ مسكين أو شَمْلة.

حدثنـي الـحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا إسرائيـل، عن السديّ، عن أبـي مالك، قال: ثوب، أو قميص، أو رداء، أو إزار.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قال: إن اختار صاحب الـيـمين الكسوة، كسا عشرة أناسيّ كلّ إنسان عبـاءة.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: سمعت عطاء يقول فـي قوله: { أوْ كِسْوَتُهُمْ } الكسوة: ثوب ثوب.

وقال بعضهم: عنى بذلك: الكسوة ثوبـين ثوبـين. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: ثنا عبـيدة، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية جميعاً، عن داود بن أبـي هند عن سعيد بن الـمسيب، فـي قوله: { أوْ كِسْوَتُهُمْ } قال: عبـاءة وعمامة.

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن داود ابن أبـي هند، عن سعيد بن الـمسيب، قال: عمامة يـلُفّ بها رأسه، وعبـاءة يـلتـحف بها.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا مـحمد بن عبد الله الأنصاري، عن أشعث، عن الـحسن وابن سيرين، قالا: ثوبـين ثوبـين.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الأعلـى، عن يونس، عن الـحسن، قال: ثوبـين.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن يونس، عن الـحسن، مثله.

حدثنا أبو كريب وهناد، قالا: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن يونس بن عبـيد، عن الـحسن، قال: ثوبـان ثوبـان لكلّ مسكين.

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن الـمبـارك، عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين، عن أبـي موسى: أنه حلف علـى يـمين، فكسا ثوبـين من مُعَقَّدة البحرين.

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: ثنا وكيع، عن يزيد بن إبراهيـم، عن ابن سيرين: أن أبـا موسى كسا ثوبـين من معقدة البحرين.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام، عن مـحمد بن عبد الأعلـى: أن أبـا موسى الأشعري حلف علـى يـمين، فرأى أن يكفِّر ففعل، وكسا عشرةً ثوبـين ثوبـين.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الأعلـى، عن هشام، عن مـحمد: أن أبـا موسى حلف علـى يـمين فكفَّر، فكسا عشرة مساكين ثوبـين ثوبـين.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيـم، عن داود بن أبـي هند، عن سعيد بن الـمسيب، قال: عبـاءة وعمامة لكل مسكين.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، قال: ثنا داود بن أبـي هند، قال: قال رجل عند سعيد بن الـمسيب: "أو كأُسْوَتهم" فقال سعيد: لا إنـما هي: "أو كسوتهم". قال: فقلت: يا أبـا مـحمد ما كسوتهم؟ قال: لكلّ مسكين عبـاءة وعمامة، عبـاءة يـلتـحف بها، وعمامة يشدّ بها رأسه.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد، قال: ثنا عبـيد بن سلـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { أوْ كِسْوَتُهُمْ } قال: الكسوة لكلّ مسكين: رداء وإزار، كنـحو ما يجد من الـميسرة والفـاقة.

وقال آخرون: بل عَنَى بذلك: كسوتهم: ثوب جامع، كالـملـحفة والكساء والشيء الذي يصلـح للبس والنوم. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيـم، قال: الكسوة: ثوب جامع.

حدثنا هناد وابن وكيع قالا: ثنا ابن فضيـل، عن مغيرة، عن إبراهيـم، فـي قوله: { أوْ كِسْوَتُهُمْ } قال: ثوب جامع. قال: وقال مغيرة: والثوب الـجامع الـمِلـحفة أو الكساء أو نـحوه، ولا نرى الدرع والقميص والـخِمار ونـحوه جامعاً.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: ثوب جامع.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن إدريس، عن أبـيه، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: ثوب جامع.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم: { أوْ كِسْوَتُهُمْ } قال: ثوب جامع لكلّ مسكين.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان وشعبة، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم فـي قوله: { أوْ كِسْوَتُهُمْ } قال: ثوب جامع.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن الـمغيرة، مثله.

وقال آخرون: عنى بذلك كسوة إزار ورداء وقميص. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الأعلـى، عن بردة، عن نافع، عن ابن عمر، قال فـي الكسوة فـي الكفَّـارة: إزار، ورداء، وقميص.

وقال آخرون: كل ما كسا فـيجزي، والآية علـى عمومها. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: يجزي فـي كفَّـارة الـيـمين كلّ شيء إلاَّ التُّبّـان.

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن أشعث، عن الـحسن، قال: يجزىء عمامة فـي كفَّـارة الـيـمين.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن أويس الصيرفـي، عن أبـي الهيثم، قال: قال سلـمان: نعم الثوب التُّبَّـان.

حدثنـي الـحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفـيان، عن الشيبـانـي، عن الـحكم، قال: عمامة يـلفّ بها رأسه.

وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصحة وأشبهها بتأويـل القرآن قول من قال: عنى بقوله: { أوْ كِسْوَتُهُمْ }: ما وقع علـيه إسم كسوة مـما يكون ثوبـاً فصاعداً، لأن ما دون الثوب لا خلاف بـين جميع الـحجة أنه لـيس مـما دخـل فـي حكم الآية، فكان ما دون قدر ذلك خارجاً من أن يكون الله تعالـى عناه بـالنقل الـمستفـيض، والثوب وما فوقه داخـل فـي حكم الآية، إذ لـم يأت من الله تعالـى وحي ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم خبر ولـم يكن من الأمة إجماع بأنه غير داخـل فـي حكمها، وغير جائز إخراج ما كان ظاهر الآية مـحتـمله من حكم الآية إلاَّ بحجة يجب التسلـيـم لها، ولا حجة بذلك.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { أوْ تَـحْرِيرُ رَقَبَةٍ }.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: أو فكّ عبد من أسر العبودة وذلها. وأصل التـحرير: الفكّ من الأسر، ومنه قول الفرزدق بن غالب:

أبَنِـي غُدَانَةَ إنَّنِـي حَرَّرْتُكُمْفوَهَبْتُكُمْ لعَطِيَّةَ بنِ جِعالِ

يعنـي بقوله: «حررتكم»: فككت رقابكم من ذلّ الهجاء ولزوم العار. وقـيـل: تـحرير رقبة، والـمـحرّر صاحب الرقبة، لأن العرب كان من شأنها إذا أسرت أسيراً أن تـجمع يديه إلـى عنقه بقـيد أو حبل أو غير ذلك، وإذا أطلقته من الأسر أطلقت يديه وحلتهما مـما كانتا به مشدودتـين إلـى الرقبة. فجرى الكلام عند إطلاقهم الأسير، بـالـخبر عن فكّ يديه عن رقبته، وهم يريدون الـخبر عن إطلاقه من أسره، كما يقال: قبض فلان يده عن فلان: إذا أمسك يده عن نواله وبسط فـيه لسانه: إذا قال فـيه سوءاً، فـيضاف الفعل إلـى الـجارحة التـي يكون بها ذلك الفعل دون فـاعله، لاستعمال الناس ذلك بـينهم وعلـمهم بـمعنى ذلك فكذلك ذلك فـي قول الله تعالـى ذكره: { أوْ تَـحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أضيف التـحرير إلـى الرقبة وإن لـم يكن هناك غلّ فـي رقبته ولا شدّ يد إلـيها، وكان الـمراد بـالتـحرير نفس العبد بـما وصفنا من جَرَّى استعمال الناس ذلك بـينهم لـمعرفتهم بـمعناه.

فإن قال قائل: أفكل الرقاب معنىّ بذلك أو بعضها؟ قـيـل: بل معنىّ بذلك كلّ رقبة كانت سلـيـمة من الإقعاد والعمى والـخرس وقطع الـيدين أو شللهما والـجنون الـمطبق، ونظائر ذلك، فإن من كان به ذلك أو شيء منه من الرقاب، فلا خلاف بـين الـجميع من الـحجة أنه لا يجزي فـي كفَّـارة الـيـمين. فكان معلوماً بذلك أن الله تعالـى ذكره لـم يعنه بـالتـحرير فـي هذه الآية. فأما الصغير والكبـير والـمسلـم والكافر، فإنهم معنـيون به.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل العلـم. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: ثنا مغيرة، عن إبراهيـم، أنه كان يقول: من كانت علـيه رقبة واجبة، فـاشترى نَسَمة، قال: إذا أنقذها من عمل أجزأته، ولا يجوز عتق من لا يعمل فأما الذي يعمل، كالأعور ونـحوه. وأما الذي لا يعمل فلا يجزي كالأعمى والـمقعد.

حدثنا هناد، قال: ثنا هشيـم، عن يونس، عن الـحسن، قال: كان يكره عتق الـمخبَّل فـي شيء من الكفـارات.

حدثنا هناد، قال: ثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم: أنه كان لا يرى عتق الـمغلوب علـى عقله يجزىء فـي شيء من الكفـارات.

وقال بعضهم: لا يجزىء فـي الكفَّـارة من الرقاب إلاَّ صحيح، ويجزىء الصغير فـيها. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: لا يجزىء فـي الرقبة إلاَّ صحيح.

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: يجزىء الـمولود فـي الإسلام من رقبة.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيـم، قال: ما كان فـي القرآن من رقبة مؤمنة. فلا يجزىء إلاَّ ما صام وصلَّـى، وما كان لـيس بـمؤمنة فـالصبـيّ يجزىء.

وقال بعضهم: لا يقال للـمولود رقبة إلاَّ بعد مدّة تأتـي علـيه. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن يزيد الرفـاعي، قال: ثنا يحيى بن زكريا بن أبـي زائدة، عن مـحمد بن شعيب بن شابور، عن النعمان بن الـمنذر، عن سلـيـمان، قال: إذا وُلد الصبـيّ فهو نسمة، وإذا انقلب ظهراً لبطن فهو رقبة، وإذا صلَّـى فهو مؤمنة.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالـى عمّ بذكر الرقبة كلّ رقبة، فأيّ رقبة حرّرها الـمكفر يـمينه فـي كفَّـارته فقد أدّى ما كلف، إلاَّ ما ذكرنا أن الـحجة مـجمعة علـى أن الله تعالـى لـم يعنه بـالتـحرير، فذلك خارج من حكم الآية، وما عدا ذلك فجائز تـحريره فـي الكفـارة بظاهر التنزيـل. والـمكفِّر مخير فـي تكفـير يـمينه التـي حنث فـيها بإحدى هذه الـحالات الثلاث التـي سماها الله فـي كتابه، وذلك: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله، أو كسوتهم، أو تـحرير رقبة، بإجماع من الـجميع لا خلاف بـينهم فـي ذلك. فإن ظنّ ظانّ أن ما قلنا من أن ذلك إجماع من الـجميع لـيس كما قلنا لِـمَا:

حدثنا مـحمد بن عبد الـملك بن أبـي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا سلـيـمان الشيبـانـي، قال: ثنا أبو الضحى، عن مسروق، قال: جاء نعمان بن مقرّن إلـى عبد الله، فقال: إنـي آلـيت من النساء والفراش فقرأ عبد الله هذه الآية: لا تُـحَرّمُوا طَيِّبـاتِ ما أحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الـمُعْتَدِينَ قال: فقال نعمان: إنـما سألتك لكونـي أتـيت علـى هذه الآية. فقال عبد الله: ائت النساء ونـم وأعتق رقبة، فإنك موسر.

حدثنـي يونس، أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي جرير بن حازم أن سلـيـمان الأعمش حدثه عن إبراهيـم بن يزيد النـخعي، عن همام بن الـحرث: أن نعمان بن مقرّن سأل عبد الله بن مسعود، فقال: إنـي حلفت أن لا أنام علـى فراشي سنة فقال ابن مسعود: { يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيِّبـاتِ ما أحَلَّ اللّهُ لَكُمْ } كفِّر عن يـمينك ونـم علـى فراشك قال: بـم أكفر عن يـمينـي؟ قال: أعتق رقبة فإنك موسر.

ونـحو هذا من الأخبـار التـي رويت عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما، فإن ذلك منهم كان علـى وجه الاستـحبـاب لـمن أمروه بـالتكفـير بـما أمروه بـالتكفـير به من الرقاب، لا علـى أنه كان لا يجزى عندهم التكفـير للـموسر إلاَّ بـالرقبة، لأنه لـم ينقل أحد عن أحد منهم أنه قال: لا يجزى الـموسرَ التكفـيرُ إلاَّ بـالرقبة. والـجميع من علـماء الأمصار قديـمهم وحديثهم مـجمعون علـى أن التكفـير بغير الرقاب جائز للـموسر، ففـي ذلك مكتفـىً عن الاستشهاد علـى صحة ما قلنا فـي ذلك بغيره.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَمَنْ لَـمْ يجِدْ فَصِيامُ ثَلاثةٍ أيَّامٍ }.

يقول تعالـى ذكره: فمن لـم يجد لكفـارة يـمينه التـي لزمه تكفـيرها من الطعام والكسوة والرقاب ما يكفرها به علـى ما فرضنا علـيه وأوجبناه فـي كتابنا وعلـى لسان رسولنا مـحمد صلى الله عليه وسلم { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ } يقول: فعلـيه صيام ثلاثة أيام.

ثم اختلف أهل العلـم فـي معنى قوله: { فَمَنْ لَـمْ يَجِدْ } ومتـى يستـحقّ الـحانث فـي يـمينه الذي قد لزمته الكفـارة اسم غير واجد حتـى يكون مـمن له الصيام فـي ذلك؟ فقال بعضهم: إذا لـم يكن للـحانث فـي وقت تكفـيره عن يـمينه إلاَّ قدر قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته فإن له أن يكفِّر بـالصيام، فإن كان عنده فـي ذلك الوقت قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته ومن الفضل ما يطعم عشرة مساكين أو ما يكسوهم، لزمه التكفـير بـالإطعام أو الكسوة ولـم يجزه الصيام حينئذٍ ومـمن قال ذلك الشافعي. حدثنا بذلك عنه الربـيع.

وهذا القول قَصَدَ إن شاء الله مَنْ أوجب الطعام علـى من كان عنده درهمان وممن أوجبه علـى من عنده ثلاثة دراهم. وبنـحو ذلك:

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن الـمبـارك، عن حماد بن سلـمة، عن عبد الكريـم، عن سعيد ابن جبـير، قال: إذا لـم يكن له إلاَّ ثلاثة دراهم أطعم. قال: يعنـي فـي الكفـارة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي معتـمر بن سلـيـمان، قال: قلت لعمر بن راشد: الرجل يحلف، ولا يكون عنده من الطعام إلاَّ بقدر ما يكفِّر؟ قال: كان قتادة يقول: يصوم ثلاثة أيام.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، قال: ثنا يونس بن عبـيد، عن الـحسن قال: إذا كان عنده درهمان.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا معتـمر، عن حماد، عن عبد الكريـم بن أبـي أمية، عن سعيد بن جبـير، قال: ثلاثة دراهم.

وقال آخرون: جائز لـمن لـم يكن عنده مِئتا درهم أن يصوم وهو مـمن لا يجد.

وقال آخرون: جائز لـمن لـم يكن عنده فضل عن رأس ماله يتصرّف به لـمعاشه ما يكفِّر به بـالإطعام أن يصوم، إلاَّ أن يكون له كفـاية من الـمال ما يتصرّف به لـمعاشه ومن الفضل عن ذلك ما يكفِّر به عن يـمينه. وهذا قول كان يقوله بعض متأخري الـمتفقهة.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أن من لـم يكن عنده فـي حال حنثه فـي يـمينه إلاَّ قدر قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته لا فضل له عن ذلك، يصوم ثلاثة أيام، وهو مـمن دخـل فـي جملة من لا يجد ما يطعم أو يكسو أو يعتق. وإن كان عنده فـي ذلك الوقت من الفضل عن قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته ما يطعم أو يكسو عشرة مساكين أو يُعتق رقبة، فلا يجزيه حينئذٍ الصوم لأن إحدى الـحالات الثلاث حينئذٍ من إطعام أو كسوة أو عتق حقّ قد أوجبه الله تعالـى فـي ماله وجوب الدين، وقد قامت الـحجة بأن الـمفلس إذا فرقّ ماله بـين غرمائه أنه لا يترك ذلك الـيوم إلاَّ ما لا بدّ له من قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته، فكذلك حكم الـمعدم بـالدين الذي أوجبه الله تعالـى فـي ماله بسبب الكفَّـارة التـي لزمت ماله.

واختلف أهل العلـم فـي صفة الصوم الذي أوجبه الله فـي كفـارة الـيـمين، فقال بعضهم: صفته أن يكون مواصلاً بـين الأيام الثلاثة غير مفرّقها. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن العلاء، قال: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: كلّ صوم فـي القرآن فهو متتابع إلاَّ قضاء رمضان، فإنه عدّة من أيام أخر.

حدثنا أبو كريب وهناد، قالا: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن أبـي جعفر، عن الربـيع بن أنس، قال: كان أبـيّ بن كعب يقرأ: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات".

حدثنا عبد الأعلـى بن واصل الأسديّ، قال: ثنا عبـيد الله بن موسى، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع ابن أنس، عن أبـي العالـية، عن أبـيّ بن كعب، أنه كان يقرأ: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات".

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن قزعة بن سويد، عن سيف بن سلـيـمان، عن مـجاهد، قال: فـي قراءة عبد الله: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات".

حدثنا هناد، قال: ثنا ابن الـمبـارك، عن ابن عون، عن إبراهيـم، قال: فـي قراءتنا: "فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ مُتَتَابِعاتٍ".

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن علـية، عن ابن عون، عن إبراهيـم، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم: فـي قراءة أصحاب عبد الله: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات".

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن جابر، عن عامر، قال: فـي قراءة عبد الله: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات".

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا مـحمد بن حميد، عن معمر، عن أبـي إسحاق: فـي قراءة عبد الله: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات".

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا مـحمد بن حميد، عن معمر، عن الأعمش، قال: كان أصحاب عبد الله يقرءون: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات".

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، قال: سمعت سفـيان، يقول: إذا فرّق صيام ثلاثة أيام لـم يجزه. قال: وسمعته يقول فـي رجل صام فـي كفـارة يـمين ثم أفطر، قال: يستقبل الصوم.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا جامع بن حماد، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ } قال: إذا لـم يجد طعاماً وكان فـي بعض القراءة: «فصيام ثلاثة أيام متتابعات». وبه كان يأخذ قتادة.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس، قال: هو بـالـخيار فـي هؤلاء الثلاثة الأوّل فـالأوّل، فإن لـم يجد من ذلك شيئاً فصيام ثلاثة أيام متتابعات.

وقال آخرون: جائز لـمن صامهنّ أن يصومهنّ كيف شاء مـجتـمعات ومفترقات. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا أشهب، قال: قال مالك: كلّ ما ذكر الله فـي القرآن من الصيام، فأن يصام تبـاعاً أعجب، فإن فرَّقها رجوت أن تـجزي عنه.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالـى أوجب علـى من لزمته كفـارة يـمين إذا لـم يجد إلـى تكفـيرها بـالإطعام أو الكسوة أو العتق سبـيلاً، أن يكفِّرها بصيام ثلاثة أيام، ولـم يشرط فـي ذلك متتابعة، فكيفما صامهنّ الـمكفِّر مفرّقة ومتتابعة أجزأه لأن الله تعالـى إنـما أوجب علـيه صيام ثلاثة أيام، فكيفما أتـى بصومهنّ أجزأ. فأما ما رُوي عن أبـيّ وابن مسعود من قراءتهما "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" فذلك خلاف ما فـي مصاحفنا، وغير جائز لنا أن نشهد بشيء لـيس فـي مصاحفنا من الكلام أنه من كتاب الله. غير أنـي أختار للصائم فـي كفَّـارة الـيـمين أن يتابع بـين الأيام الثلاثة ولا يفرّق، لأنه لا خلاف بـين الـجميع أنه إذا فعل ذلك فقد أجزأ ذلك عنه من كفَّـارته. وهم فـي غير ذلك مختلفون، ففعل ما لا يختلف فـي جوازه أحبّ إلـيّ وإن كان الآخر جائزاً.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { ذَلِكَ كَفَّـارَةُ أيـمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُـمْ وَاحْفَظُوا أيـمَانَكُمْ كذَلِكَ يُبَـيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { ذَلِكَ } هذا الذي ذكرت لكم أنه { كَفَّـارَةُ أيـمانِكُمْ } من إطعام العشرة الـمساكين أو كسوتهم أو تـحرير الرقبة، وصيام الثلاثة الأيام إذا لـم تـجدوا من ذلك شيئاً هو كفـارة أيـمانكم التـي عقدتـموها { إذَا حَلَفْتُـمْ وَاحْفَظُوا } أيها الذين آمنوا { أيـمَانَكُمْ } أن تـحنثوا فـيها ثم تصنعوا الكفـارة فـيها بـما وصفته لكم. { كَذَلِكَ يُبَـيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ } كما بـين لكم كفـارة أيـمانكم، كذلك يبـين الله لكم جميع آياته، يعنـي: أعلام دينه، فـيوضحها لكم، لئلا يقول الـمضيع الـمفرِّط فـيـما ألزمه الله: لـم أعلـم حكم الله فـي ذلك. { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } يقول: لتشكروا الله علـى هدايته إياكم وتوفـيقه لكم.