التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
١٢٣
-الأنعام

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول جلّ ثناؤه: وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون، كذلك جعلنا بكلّ قرية عظماءها مجرميها، يعني: أهل الشرك بالله والمعصية له { لِيَمْكُرُوا فِيها } بغرور من القول أو بباطل من الفعل بدين الله وأنبيائه. { وَما يَمْكُرُونَ }: أي ما يحيق مكرهم ذلك، { إلاَّ بأنْفُسِهِمْ }، لأن الله تعالى ذكره من وراء عقوبتهم على صدّهم عن سبيله. وهم لا يشعرون، يقول: لا يدرون ما قد أعدّ الله لهم من أليم عذابه، فهم في غيهم وعتوّهم على الله يتمادون.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { أكابِرَ مُجْرِمِيها } قال: عظماءها.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { أكابِرَ مُجْرِمِيها } قال: عظماءها.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: نزلت في المستهزئين. قال ابن جريج: عن عمرو، عن عطاء، عن عكرمة: { أكابِرَ مُجْرِمِيها }... إلى قوله: { { بِمَا كانُوا يَمْكُرُونَ } بدين الله وبنبيه عليه الصلاة والسلام وعباده المؤمنين.

والأكابر: جمع أكبر، كما الأفاضل: جمع أفضل. ولو قيل: هو جمع كبير، فجمع أكابر، لأنه قد يقال أكبر، كما قيل: { { قُلْ هُلْ أُنَبِّئُكُمْ بالأخْسَرِينَ أعَمالاً } واحدهم الخاسر لكان صواباً. وحُكي عن العرب سماعاً: الأكابرة والأصاغرة، والأكابر والأصاغر بغير الهاء على نية النعت، كما يقال: هو أفضل منك. وكذلك تفعل العرب بما جاء من النعوت على «أفعل» إذا أخرجوها إلى الأسماء، مثل جمعهم الأحمر والأسود: الأحامر والأحامرة، والأساود والأساودة ومنه قول الشاعر:

إنَّ الأحامِرَةَ الثَّلاثَةَ أهْلَكَتْمالي وكنتُ بِهِنَّ قِدْما مُولَعَا
الخَمْرُ واللَّحْمُ السَّمِينُ أُدِيمُهُوالزَّعفرانُ فلَنْ أزالَ مُبَقَّعَا

وأما المكر: فإنه الخديعة والاحتيال للممكور به بالغدر ليورِّطه الماكر به مكروهاً من الأمر.