التفاسير

< >
عرض

كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
٢
-الأعراف

جامع البيان في تفسير القرآن

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره هذا القرآن يا محمد في كتاب أنزله الله إليك. ورفع «الكتاب» بتأويل: هذا كتاب.

القول في تأويل قوله تعالى: { فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ منه }:. يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا يضق صدرك يا محمد من الإنذار به من أرسلتك لإنذاره به، وإبلاغه من أمرتك بابلاغه إياه، ولا تشكّ في أنه من عندي، واصبر بالمضي لأمر الله واتباع طاعته فيما كلفك وحَمَّلك من عبء أثقال النبوة، كما صبر أولو العزم من الرسل، فإن الله معك. والحرج: هو الضيق في كلام العرب، وقد بينا معنى ذلك بشواهده وأدلته في قوله: { ضَيِّقاً حَرَجاً } بما أغنى عن إعادته. وقال أهل التأويل في ذلك، ما:

حدثني به محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: { فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ } قال: لا تكن في شك منه.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: { فَلا يَكُنِ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ } قال: شكّ.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، قال: ثنا معمر، عن قتادة: { فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ }: شكّ منه.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة مثله.

حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السُّديِّ: { فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ } قال: أما الحرج: فشكّ.

حدثنا الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا أبو سعد المدني، قال: سمعت مجاهداً، في قوله: { فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ } قال: شكّ من القرآن.

قال أبو جعفر: وهذا الذي ذكرته من التأويل عن أهل التأويل هو معنى ما قلنا في الحرج لأن الشك فيه لا يكون إلا من ضيق الصدر به وقلة الإتساع لتوجيهه وجْهته التي هي وجهته الصحيحة. وإنما اخترنا العبارة عنه بمعنى الضيق، لأن ذلك هو الغالب عليه من معناه في كلام العرب، كما قد بيناه قبل.

القول في تأويل قوله تعالى: { لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى للْمُؤمِنِينَ }.

يعني بذلك تعالى ذكره: هذا كتاب أنزلناه إليك يا محمد لتنذر به من أمرتك بإنذاره، { وذِكْرى للمُؤْمِنِينَ } وهو من المؤخَّر الذي معناه التقديم، ومعناه: كتاب أنزل ليك لتنذر به، وذكرى للمؤمنين، فلا يكن في صدرك حرج منه. وإذا كان معناه كان موضع قوله: { وَذِكْرَى } نصباً بمعنى: أنزلنا إليك هذا الكتاب لتنذر به، وتذكِّر به المؤمنين. ولو قيل: معنى ذلك: هذا كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه أن تنذر به وتذكِّر به المؤمنين، كان قولاً غير مدفوعة صحته. وإذا وجه معنى الكلام إلى هذا الوجه كان في قوله: { وَذِكْرَى } من الإعراب وجهان: أحدهما النصب بالردّ على موضع لتنذر به، والآخر الرفع عطفاً على الكتاب، كأنه قيل: المص كتاب أنزل إليك وذكرى للمؤمنين.