التفاسير

< >
عرض

مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ
٤
-الفاتحة

قرىء:" ملك يوم الدين"، ومالك وملك بتخفيف اللام. وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه: مَلَكَ يومَ الدين، بلفظ الفعل ونصب اليوم، وقرأ أبو هريرة رضي الله عنه: مالكَ بالنصب. وقرأ غيره: مَلَك، وهو نصب على المدح؛ ومنهم من قرأ: مالكٌ، بالرفع. وملك: هو الاختيار، لأنه قراءة أهل الحرمين، ولقوله: { لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 16]، ولقوله: { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 2]، ولأن الملك يعم والملك يخص. ويوم الدين: يوم الجزاء. ومنه قولهم:

(3) «كما تدين تدان». وبيت الحماسة:

ولَمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوَا نِ دِنَّاهمْ كما دَانُوا

فإن قلت: ما هذه الإضافة؟ قلت: هي إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على طريق الإتساع، مُجرى مجرى المفعول به كقولهم: يا سارق الليلة أهل الدار، والمعنى على الظرفية. ومعناه: مالك الأمر كله في يوم الدين، كقوله: { { لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 16]. فإن قلت: فإضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقة فلا تكون معطية معنى التعريف، فكيف ساغ وقوعه صفة للمعرفة؟ قلت: إنما تكون غير حقيقية إذا أريد باسم الفاعل الحال أو الاستقبال، فكان في تقدير الانفصال، كقولك: مالك الساعة، أو غداً. فأمّا إذا قصد معنى الماضي، كقولك: هو مالك عبده أمس، أو زمان مستمرّ، كقولك: زيد مالك العبيد، كانت الإضافة حقيقية، كقولك: مولى العبيد، وهذا هو المعنى في { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ }، ويجوز أن يكون المعنى: ملك الأمور يوم الدين، كقوله: { وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف: 44]، { { وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلاْعْرَافِ } [الأعراف: 48]، والدليل عليه قراءة أبي حنيفة: «مَلَكَ يومَ الدين» ، وهذه الأوصاف التي أجريت على الله سبحانه ـــ من كونه رباً مالكاً للعالمين لا يخرج منهم شيء من ملكوته وربوبيته، ومن كونه منعماً بالنعم كلها الظاهرة والباطنة والجلائل والدقائق، و من كونه مالكاً للأمر كله في العاقبة يوم الثواب والعقاب بعد الدلالة على اختصاص الحمد به وأنه به حقيق في قوله:الحمد لله ـــ دليل على أنّ من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه بالحمد والثناء عليه بما هو أهله.