{ فِي بُطُونِهِمْ } ملء بطونهم. يقال: أكل فلان في بطنه، وأكل في بعض بطنه { إِلاَّ ٱلنَّارَ } لأنه إذا أكل ما يلتبس بالنار لكونها عقوبه عليه، فكأنه أكل النار، ومنه قولهم: أكل فلان الدم، إذا أكل الدية التي هي بدل منه. قال:
أَكَلْتُ دَماً إنْ لَمْ أَرُعْكِ بِضَرَّةٍ
وقال:يَأْكُلْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ إكَافَا
أراد ثمن الإكاف، فسماه إكافاً لتلبسه بكونه ثمناً له { وَلاَ يُكَلِـّمُهُمُ ٱللَّهُ } تعريض بحرمانهم حال أهل الجنة في تكرمة الله إياهم بكلامه وتزكيتهم بالثناء عليهم. وقيل: نفي الكلام عبارة عن غضبه عليهم كمن غضب على صاحبه فصرمه وقطع كلامه. وقيل: لا يكلمهم بما يحبون، ولكن بنحو قوله: { { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } [المؤمنون: 108]. { فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } تعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم، كما تقول لمن يتعرّض لما يوجب غضب السلطان: ما أصبرك على القيد والسجن، تريد أنه لا يتعرض لذلك إلا من هو شديد الصبر على العذاب. وقيل: فما أصبرهم، فأي شيء صبرهم. يقال: أصبره على كذا وصبره بمعنى. وهذا أصل معنى فعل التعجب. والذي روي عن الكسائي أنه قال: قال لي قاضي اليمن بمكة اختصم إليّ رجلان من العرب فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال له: ما أصبرك على الله، فمعناه: ما أصبرك على عذاب الله { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ } أي ذلك العذاب بسبب أنّ الله نزل ما نزل من الكتب بالحق { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ } في كتب الله فقالوا في بعضها حق وفي بعضها باطل وهم أهل الكتاب { لَفِى شِقَاقٍ } لفي خلاف { بَعِيدٍ } عن الحق، والكتاب للجنس، أو كفرهم ذلك بسبب أنّ الله نزل القرآن بالحق كما يعلمون، وإن الذين اختلفوا فيه من المشركين -فقال بعضهم: سحر، وبعضهم: شعر، وبعضهم: أساطير- لفي شقاق بعيد. يعني أنّ أولئك لو لم يختلفوا ولم يشاقوا لما جسر هؤلاء أن يكفروا.