التفاسير

< >
عرض

أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً
٥٣
أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً
٥٤
فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً
٥٥
-النساء

وصف اليهود بالبخل والحسد وهما شرّ خصلتين: يمنعون ما أوتوا من النعمة ويتمنون أن تكون لهم نعمة غيرهم فقال: { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مّنَ ٱلْمُلْكِ } على أن أم منقطعة ومعنى الهمزة لإنكار أن يكون لهم نصيب من الملك ثم قال: { فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ } أي لو كان لهم نصيب من الملك فإذاً لا يؤتون أحداً مقدار نقير لفرط بخلهم: والنقير: النقرة في ظهر النواة وهو مثل في القلة، كالفتيل والقطمير. والمراد بالملك: إما ملك أهل الدنيا. وإما ملك الله كقوله تعالى: { { قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنفَاقِ } [الإسراء: 100] وهذا أوصف لهم بالشح، وأحسن لطباقه نظيره من القرآن. ويجوز أن يكون معنى الهمزة في أم: لإنكار أنهم قد أوتوا نصيباً من الملك، وكانوا أصحاب أموال وبساتين وقصور مشيدة كما تكون أحوال الملوك. وأنهم لا يؤتون أحداً مما يملكون شيئاً. وقرأ ابن مسعود: «فإذاً لا يؤتوا»، على إعمال إذا عملها الذي هو النصب، وهي ملغاة في قراءة العامة، كأنه قيل: فلا يؤتون الناس نقيراً إذاً { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } بل أيحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على إنكار الحسد واستقباحه. وكانوا يحسدونهم على ما آتاهم الله من النصرة والغلبة وازدياد العزّ والتقدم كل يوم { فَقَدْ ءاتَيْنَا } إلزام لهم بما عرفوه من إيتاء الله الكتاب والحكمة { ءَالَ إِبْرٰهِيمَ } الذين هم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس ببدع أن يؤتيه الله مثل ما آتى أسلافه. وعن ابن عباس: الملك في آل إبراهيم ملك يوسف وداود وسليمان. وقيل: استكثروا نساءه فقيل لهم: كيف استكثرتم له التسع وقد كان لداود مائة ولسليمان ثلَثمائة مهيرة وسبعمائة سرية؟ { فَمِنْهُمْ } فمن اليهود { مَنْ ءامَنَ بِهِ } أي بما ذكر من حديث آل إبراهيم { وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } وأنكره مع علمه بصحته. أو من اليهود من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من أنكر نبوّته. أو من آل إبراهيم من آمن بإبراهيم، ومنهم من كفر، كقوله: { { فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } [الحديد: 26].