التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
١
-الأنعام

{ جَعَلَ } يتعدّى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ، كقوله: { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ } وإلى مفعولين إذا كان بمعنى صيَّر، كقوله: { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } [الزخرف: 19] والفرق بين الخلق والجعل: أن الخلق فيه معنى التقدير، وفي الجعل معنى التضمين، كإنشاء شيء من شيء، أو تصيير شيء شيئاً، أو نقله من مكان إلى مكان. ومن ذلك { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [الأعراف: 189] { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ }؛ لأن الظلمات من الأجرام المتكاثفة،والنور من النار { ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً } [فاطر: 11] { أَجَعَلَ ٱلاْلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً } [ص: 5]. فإن قلت: لم أفرد النور؟ قلت: للقصد إلى الجنس، كقوله تعالى: { وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا } [الحاقة: 17] أو لأن الظلمات كثيرة، لأنه ما من جنس من أجناس الأجرام إلاّ وله ظلّ، وظلّه هو الظلمة، بخلاف النور فإنه من جنس واحد وهو النار. فإن قلت: علام عطف قوله: { ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ }؟ قلت: إما على قوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } على معنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلق؛ لأنه ما خلقه إلاّ نعمة، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته، وإما على قوله: { خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ } على معنى أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه. فإن قلت: فما معنى ثم؟ قلت: استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته، وكذلك { ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } [الأنعام: 2] استبعاد لأن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم.