ذكروا في عدد الألواح وفي جوهرها وطولها أنها كانت عشرة ألواح وقيل: سبعة. وقيل؛ لوحين، وأنها كانت من زمرّد جاء بها جبريل عليه السلام. وقيل: من زبرجدة خضراء وياقوتة حمراء. وقيل: أمر الله موسى بقطعها من صخرة صماء لينها له، فقطعها بيده وشقها بأصابعه. وعن الحسن كانت من خشب نزلت من السماء فيها التوراة، وأن طولها كان عشرة أذرع. وقوله: { مِن كُلّ شَىْء } في محل النصب مفعول كتبنا. و { مَّوْعِظَةٌ } وتفصيلاً بدل منه. والمعنى: كتبنا له كل شيء كان بنو إسرائيل محتاجين إليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام. وقيل: أنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير، يقرأ الجزأ منه في سنة لم يقرأها إلاّ أربعة نفر: موسى، ويوشع، وعزير، وعيسى عليهم السلام. وعن مقاتل: كتب في الألواح: إني أنا الله الرحمٰن الرحيم، لا تشركوا بي شيئاً، ولا تقطعوا السبيل، ولا تحلفوا بإسمي كاذبين؛ فإن من حلف بإسمي كاذباً فلا أزكيه، ولا تقتلوا ولا تزنوا ولا تعقوا الوالدين { فَخُذْهَا } فقلنا له: خذها، عطفاً على كتبنا، ويجوز أن يكون بدلاً من قوله:
{ فَخُذْ مَا ءاتَيْتُكَ } [الأعراف: 144] والضمير في { خُذْهَا } للألواح، أو لكل شيء، لأنه في معنى الأشياء، أو[ للرسالات]، أو للتوراة. ومعنى { بِقُوَّةٍ } بجدّ وعزيمة فعل أولي العزم من الرسل { يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } أي فيها ما هو حسن وأحسن، كالاقتصاص، والعفو، والانتصار، والصبر. فمرهم أن يحملوا على أنفسهم في الأخذ بما هو أدخل في الحسن وأكثر للثواب، كقوله تعالى: { وَٱتَّبِعُـواْ أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُـمْ } [الزمر: 55] وقيل: يأخذوا بما هو واجب أو ندب، لأنه أحسن من المباح. ويجوز أن يراد: يأخذوا بما أمروا به، دون ما نهوا عنه، على قولك: الصيف أحرّ من الشتاء { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } يريد دار فرعون وقومه وهي مصر، كيف أقفرت منهم ودمّروا لفسقهم، لتعتبروا فلا تفسقوا مثل فسقهم فينكل بكم مثل نكالهم. وقيل: منازل عاد وثمود والقرون الذين أهلكهم الله لفسقهم في ممرّكم عليها في أسفاركم. وقيل: دار الفاسقين: نار جهنم. وقرأ الحسن: «سأوريكم» وهي لغة فاشية بالحجاز. يقال: أورني كذا، وأوريته. ووجهه أن تكون من أوريت الزند كأنَّ المعنى بيّنه لي وأنره لأستبينه وقرىء: «سأورثكم» قراءة حسنة يصححها قوله: { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ } [الأعراف: 137]. { سَأَصْرِفُ عَنْ ءايَـٰتِي } بالطبع على قلوب المتكبرين وخذلانهم، فلا يفكرون فيها ولا يعتبرون بها، غفلة وانهماكاً فيما يشغلهم عنها من شهواتهم. وعن الفضيل بن عياض: ذكر لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (399)
"إذا عظمت أمّتي الدنيا نزع عنها هيبة الإسلام، وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي" . وقيل: سأصرفهم عن إبطالها وإن اجتهدوا كما اجتهد فرعون أن يبطل آية موسى، بأن جمع لها السحرة، فأبى الله إلاَّ علو الحقّ وانتكاس الباطل. ويجوز: سأصرفهم عنها وعن الطعن فيها والاستهانة بها. وتسميتها سحراً بإهلاكهم. وفيه إنذار للمخاطبين من عاقبة الذين يصرفون عن الآيات لتكبرهم وكفرهم بها، لئلا يكونوا مثلهم فيسلك بهم سبيلهم { بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } فيه وجهان: أن يكون حالاً بمعنى يتكبرون غير محقين، لأن التكبر بالحقّ لله وحده. وأن يكون صلة لفعل التكبر، أي يتكبرون بما ليس بحق وما هم عليه من دينهم { وَإِن يَرَوْا كُلَّ ءَايَةٍ } من الآيات المنزلة عليهم { لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا } وقرأ مالك بن دينار: «وإن يروا» بضم الياء. وقرىء: «سبيل الرشد» و «الرشد» و «الرشاد»، كقولهم: السقم والسقم والسقام. وما أسفه من ركب المفازة، فإن رأى طريقاً مستقيماً أعرض عنه وتركه، وإن رأى معتسفاً مردياً أخذ فيه وسلكه، ففاعل نحو ذلك في دينه أسفه { ذٰلِكَ } في محل الرفع أو النصب على معنى: ذلك الصرف بسبب تكذيبهم أو صرفهم الله ذلك الصرف بسبب { وَلِقَاء ٱلآخِرَةِ } يجوز أن يكون من إضافة المصدر إلى المفعول به. أي ولقائهم الآخرة ومشاهدتهم أحوالها، ومن إضافة المصدر إلى الظرف بمعنى: ولقاء ما وعد الله في الآخرة.