التفاسير

< >
عرض

وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ
٢٣
-إبراهيم

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما بالغ في شرح أحوال الأشقياء من الوجوه الكثيرة، شرح أحوال السعداء، وقد عرفت أن الثواب يجب أن يكون منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم، فالمنفعة الخالصة إليها الإشارة بقوله تعالى: { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } وكونها دائمة أشير إليه بقوله: { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } والتعظيم حصل من وجهين: أحدهما: أن تلك المنافع إنما حصلت بإذن الله تعالى وأمره. والثاني: قوله: { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـٰمٌ } لأن بعضهم يحيي بعضاً بهذه الكلمة، والملائكة يحيونهم بها كما قال: { { وَالمَلَـٰئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ * سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ } [الرعد: 23، 24] والرب الرحيم يحييهم أيضاً بهذه الكلمة كما قال: { { سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ } [يس: 58].

واعلم أن السلام مشتق من السلامة وإلا ظهر أن المراد أنهم سلموا من آفات الدنيا وحسراتها أو فنون آلامها وأسقامها، وأنواع غمومها وهمومها، وما أصدق ما قالوا، فإن السلامة من محن عالم الأجسام الكائنة الفاسدة من أعظم النعم، لا سيما إذا حصل بعد الخلاص منها الفوز بالبهجة الروحانية والسعادة الملكية.

المسألة الثانية: قرأ الحسن: { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } على معنى وأدخلهم أنا، وعلى هذه القراءة فقوله: { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } متعلق بما بعده، أي تحيتهم فيها سلام بإذن ربهم. يعني: أن الملائكة يحيونهم بإذن ربهم.