أعلم أنه تعالى نهى في الآية المتقدمة عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء وساق الكلام في تقريره، ثم ذكر ههنا النهي العام عن موالاة جميع الكفار وهو هذه الآية، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ أبو عمرو والكسائي { ٱلْكُفَّارِ } بالجر عطفاً على قوله { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } ومن الكفار، والباقون بالنصب عطفاً على قوله { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ } بتقدير: ولا الكفار.
المسألة الثانية: قيل: كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث أظهرا الإيمان ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
المسألة الثالثة: هذه الآية تقتضي امتياز أهل الكتاب عن الكفار لأن العطف يقتضي المغايرة، وقوله
{ { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } [البينة: 1] صريح في كونهم كفاراً، وطريق التوفيق بينهما أن كفر المشركين أعظم وأغلظ، فنحن لهذا السبب نخصصهم باسم الكفر، والله أعلم. المسألة الرابعة: معنى تلاعبهم بالدين واستهزائهم إظهارهم ذلك باللسان مع الإصرار على الكفر في القلب، ونظيره قوله تعالى في سورة البقرة
{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَـٰطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤن } [البقرة: 14] والمعنى أن القوم لما اتخذوا دينكم هزواً وسخرية فلا تتخذوهم أولياء وأنصاراً وأحباباً، فإن ذلك الأمر خارج عن العقل والمروءة.